3

:: كلامٌ بعدَ الصمت بلاغة ::

   
 

التاريخ : 11/03/2014

الكاتب : جوزف أبي ضاهر   عدد القراءات : 1636

 


 

 

 

يسبقُ الصمتُ الكلام.

يتحضّر برهبةٍ لصوت ينقله من العدم إلى الحياة مجاهرةً، في رتيب نبرةٍ، أو في نبضٍ يرتفعُ، أو يخفتُ حتّى المهامسة، وفي الأخيرة من الأصل الصامت بعض خفرٍ.

يتيحُ الصمتُ لصاحبه ما لا يتيحه له الكلام.

الصمت مساحة للتفكير، للتحليل، وللخيال مجنّحًا، يروح بصاحبه إلى أقاصي الأحلام والأفكار والرؤى، ثم يرجع، أو يتراجع، من دون تسبُّب بأذيّةٍ أو خطأ.

ينتفي اللوم، وينتفي التبرير والتصويب.

... ويظلّ الصمت ممسكًا بمقدّرات العقل والقلب، حتّى يخرج عن ذاته، فيُحَاسب بما كان فيه، أو منه، وتأخر في إعلانه ونشره.

لا يهتمّ.

تكتّم الصمت يحميه، ولو طال زمنًا.

الزمن يغيّر، يبدّل في المشهد والصورة، والكلام إذا وصل متأخرًا، يشوبه ترهّل الانتظار، أو صوابية تكتّم يوزَن بالذهب المشغول والمصاغ.

... والصمت أيضًا.

يسبق النّص نثرًا أو شعرًا.

يسبق الرسم وابتكار اللحن.

يسبق الخلق الابداعي عمومًا... مختارًا لذاته صفةً جديدة: التأمل.

التأمل في الصلاة مهابة صمت ورهبة... وإذا أطلّ فعلى الشفتين إيماءً يُسمع حيث يجب أن يُسمع، ويصل، ويحلّ أزليًّا على رحابة الإيمان.

الصمت أبلغ من الكلام؟

ـ في أوقات ضيق وحَرَج.

... ويظلُّ الكلام، على رغم تعثر وسقوط... مرّات، هو صوت الحياة النافخ فينا روح الحضور فوق أرضٍ وتحتَ سماءٍ، وفي نورِ كلمةٍ كانت بدءًا.

في البدء ولادة... وولادات تُعلن من صرخة... وإلى دهر الداهرين نتابع أحرفًا وكلامًا ورسالات، وتفاعل نسغ وأرواح لتتجسّد في كلمة.

الكلام بعد الصمت بلاغة.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.