3

:: مصر التي في خاطرك ::

   
 

التاريخ : 22/01/2014

الكاتب : د. أحمد الخميسي   عدد القراءات : 1100

 


 

 

 

معظم من قال "نعم" للدستور لم يقرأه ومن باب أولى لم يقارن بينه وبين الدستور السابق. لكن "نعم" بتلك النسبة المرتفعة كانت لما هو أبعد من وثيقة دستورية. "نعم" كانت للحلم بنظام حكم يوفر العدل والكرامة للجميع. ولم تكن الزغاريد التي أطلقتها النساء في اللجان الانتخابية سوى ترنيمة أمنيات بالتحرر من القهر الاقتصادي والاجتماعي الطويل. تمايلت وزغردت ورقصت وشدّت عنقها لأعلى كل الآمال في الخبز والمساواة والتعليم والعلاج والسكن. آمال قائمة مثل صخرة صلبة في شعب لا يعرف اليأس. الآن وقد تمّ إقرار الدستور عليك أن تضخ الحياة إلى نصوصه وأن تطالب بنصيبك من ثروة بلادك التي راكمها كدح  الملايين وأنت واحد منهم. وعندما تسأل "أين حقي؟" سيقودونك عبر متاهات حتى تلتبس عليك الأمور. سيقولون لك إن الثقافة هي ثروتنا القومية الأولى. قل لهم شكرا. هي ثروة حقّاً لكنها معنوية وأنا أريد نصيبي من ثروة مصر المادية. احتفظوا لأنفسكم بالمنفلوطي وأمير الشعراء وقائمة الأفلام الطويلة وكل الأغاني والتمثيليات وأعطوني نصيبي من الدخل القومي، حينها سيكون لديّ ما أشترى به الجرائد والكتب لأتعرّف إلى ثقافتي. وقل لهم إن ثروة الأمم تقاس بإجمالي الناتج القومي، بحجم انتاجها الزراعي والصناعي، بعدد المصانع، وحجم الميزانية، ومستوى التعليم والعلاج ونسبة البطالة وعدد العلماء والمعامل والمدارس والجامعات والقدرة على استخدام الذرة. أضف إلى ذلك أن الوطن هو الذي يخلق الثقافة، وأن وطنا مقسّماً بالجوع والثراء غير وطن توحّده المساواة فتطلق قدراته الإبداعية. قل لهم إنك لا تريد ثقافة تكون هي كل ثروتنا القومية، لكنك تريد ثروة مادية توزع بالعدل فتصبح أساساً لتطوير الثقافة. عندما تتمسّك بأن تحصل على حقك سيعيدون على سمعك "مصر التي في خاطري وفي فمي" لكي تذوب حقوقك في نشيد وطني عام. إذا فعلوا، قل لهم إن مصر التي في خاطرك غير التي في خاطرهم. عندهم لابدّ أن تبقى مصر بلد الثمانين بالمئة من السكان الذين تحت خطر الفقر بدخل دولارين في اليوم، وأن يظلوا هم ثلاثين ألف مليونير ينعمون بحياة بذخ خرافي. في خاطرك أنت أن الشعب هو صانع الثروة وأن لك بالحتم نصيباً منها. في خاطرهم مصر هي "عيشوا كِراماً تحت ظلّ العلم"، وفي خاطرك أنت "عيشوا كِراماً تحت سقف السكن". سيكرّون على أذنيك لحن "مانقولش إيه إدّتنا مصر؟". قل لهم طبيعي ألا تسألوا ماذا أعطتكم مصر بعد أن أصبح عشرون بالمئة منكم يتحكمون في ثمانين بالمئة من ثروة مصر، وواحد بالمئة من بينكم يتحكم في خمسين بالمئة من ثروات طبقتكم. أما الغالبية العظمى التي لم تحصل على أي شيء فإن من حقها أن تسأل بعد إقرار الدستور "ماذا أعطتنا مصر؟"، وأن تتساءل "وماذا ستعطينا؟"، لأن الملايين لم يحصلوا على شيء بعد رغم أنهم هم من يفتحون صدورهم للنيران، ومن يديرون المكن في المصانع، ويعرقون في الحقول، ويشكّلون عماد الجيش في الحروب. آن الأوان لكي يكون الدستور خطوة على طريقٍ لوقف النهب التاريخي. ولكي تزول إلى الأبد صورة الأمة التي رسمها ذات يوم إسماعيل المفتش حين قال لنوبار باشا "إن مصر مثل زكيبة الدقيق تسحب منها الدقيق ولكن إذا ضربتها بالعصا يمكنك الحصول باستمرار على مزيد من الدقيق"!.

أحمد الخميسي . كاتب مصري  

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.