3

:: شوقي مسلماني حكّاء كونين الماهر ::

   
 

التاريخ : 21/11/2013

الكاتب : عون جابر   عدد القراءات : 1225

 


 

شهادتي كقارئ في كتاب الصديق الشاعر شوقي مسلماني، "كونين لطائف وطرائف"، تبقى مجروحة لأنّ كونين، الضيعة العامليّة الوديعة، والقريبة جدّاً من بلدتي بنت جبيل، هي جزء من ذاكرتي كوني كنتُ مدرّساً بمدرستها الابتدائيّة، بإدارة الصديق الأستاذ أحمد الدبق، وغيره من الزملاء الأعزّاء، منذ مطلع السبعينات، حتى هجرتي للولايات المتّحدة.

 

لم ألتق بشوقي مسلماني يومذاك، لكنّني ضحكتُ وعشت وشهدت وسمعت عن معظم اللطائف والنوادر الواردة في كتابه، الصادر عن دار "الفهد للنشر والتوزيع". لذا، عندما خصّني مشكوراً بنسخة عنه، قرأته بشغف لسببين: أوّلاً لأنفض الغبار عن الذاكرة بعد طول البعاد، وثانياً لأنّني أعتبر أن الذكريات والثقافة هي وطن المغترب الذي تعذّرتْ عليه جغرافيا الوطن، وما زاد في متعة القراءة أيضا هو الأسلوب الشيّق، والبديع، الذي أضفى جمالاً ومؤانسة على لذّة الحكايات.

 

ما يلفت، قدرة شوقي مسلماني على مزاوجة استعمال الفصيح السلس، مع متطلّبات السرد لحوادث تستدعي استعمال الدارج من المفردات والعبارات والمفاهيم، وهذا ليس بالأمر الهيّن، أتقنه سلام الراسي سابقا، ونجح به مسلماني حالياً.
إلى جزالة الأسلوب، أثبت شوقي مسلماني أنه حكّاء ماهر، ومن الطراز الأوّل، يشدّ القارئ ويجذبه حتى النهاية، من دون الوقوع في التكرار والإجترار، ومن دون إنهاك للمعنى. فاللغة مفصّلة على قياس الحدث، فلا زيادة تبدّد متعة القراءة، ولا نقصان في العرض يشوّه المغزى. طبعاً، حفْظ المادّة، إضافة إلى اللذّة والمتعة في القراءة، قد يكونان هدف كتابة نوادر الضيعة وتسجيلها، وهذا ما بدا في المقدّمة، ولكن يمكن الإضافة، من دون أن يكون ذلك من مقصد العمل، أنّ بناء هذه الذاكرة الضيعاوية في فترة زمنيّة محدودة، ولجيل محدّد، يحمل دلالات إجتماعية وأنتروبولوجيّة وثقافيّة، قد يفيد منها أصحاب الإختصاص. ويمكن القول إن هذا العمل هو بناء لـ"الوطن" بالنسبة إلى من يعيش بعيداً عنه، وخصوصاً لكونه خلاصة تجربة إنسانيّة عاديّة، لأناس عاديين لا يقلّون أهميّة عن أبطال أمّهات الأعمال الروائية.

شوقي مسلماني مشكور على جهده، فتسجيل هذه المشافهات الطريفة ونشرها، إحياء لروح الضيعة العامليّة المشبّعة بالتشيّع العاملي المنفتح والحداثي، بالمقاييس الثقافية (مجلّة العرفان) التي أصبحت مهدّدة بالضياع، أو في طريق الإندثار، بسبب العدوان الصهيوني الدائم، وبسبب ذاتي، يتمحور حول التعصّب الطائفي الحزبي المذهبي المهيمن، الذي لم يكتف باحتكار الحالة السياسيّة فقط، بل صادر المخزون الثقافي الشعبي.

من هنا أهميّة هذا الإصدار، كأنّه إعادة اعتبار إلى فرح لم يزد على عمر الشرر. لذا يجب الإضاءة على كل مجهود ثقافي يوثّق لمخزون الطرافة والفكاهة، التي اكتنزها العامليّون، ليس لأنهم يحبّون الحياة فقط، بل لأنهم يفهمونها جيّداً.

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.