3

:: معيار الجغرافيا والديمغرافيا – أزرار 819 ::

   
 

التاريخ : 15/11/2013

الكاتب : هنري زغيب   عدد القراءات : 1016

 


 

        ليس معيارُ الجغرافيا والديمغرافيا هو الأَساس في تحديد نسبة العلْم وما يرفُده من تعليم وتعلُّم لأَبناء البلاد.

       الأَساسُ في مكانٍ آخَر: السخاءُ على التربية، تخصيصُ اعتماداتٍ لها، الاستثمارُ فيها، توعيةُ المتخرّجين على حاجات سوق العمل فلا تُـخرِّج جامعات بلادهم مَنْ يَـبحثون عن وظائف خارج البلاد.

       في هذا السياق نشرَت أَخيراً وكالةُ رويترز تقريراً عن "أَكثر البلدان سخاءً على التعليم" فجاءت أُستراليا في الطليعة، تلَتْها فنلندا فنيوزيلندا فبريطانيا فكوريا فالولايات المتحدة فاليابان فكندا فروسيا الاتحادية.

       التقريرُ استندَ إِلى أَرقام محدَّدة شملت: الفئةَ العُمْرية (تركيزاً على الشابّة منها)، ميزانيةَ التعليم الرسمية (خصوصاً في المراحل الثانوية قبل الجامعية)، اتجاهاتِ التخصُّص، الاستثمارَ التربوي، نسبةَ المترفِّعين من الثانويات إِلى الجامعات، التحديثَ الدائم في المناهج التربوية، مستوى التعليم الرسمي مقابل التعليم الخاص، العنايةَ بالتعليم المهني والتقني وفْق حاجة البلاد إِلى قطاعاته، السخاء بِـحِصَّة التعليم في موازنة الدولة العامة، مدى استقطاب البلاد طُلاّباً أَجانب إِلى مستواها التعليمي العالي (للتخصص في جامعاتها ذات الشهرة والثقة والضمانة والمصداقية)، خفضَ نسبة البطالة في صفوف حَـمَلَة الشهادات العليا، ارتفاعَ نسبة المتخرِّجين العاملين في حقل اختصاصهم غير الـمُرغَمين على العمل في اختصاصات أُخرى لانسداد الأُفق في ميدان شهاداتهم.

       بهذه الـمعايـير عدَّدَ التقرير "أَكثرَ البلدان عنايةً بالقطاع التربوي" في جميع مراحله واختصاصاته، وخلُصَ إِلى أَنّ أَكثر الشعوب تعلُّماً هي التي من بلدانٍ يرتفع فيها سخاءُ الدولة على التعليم، حتى ولو كانت في وضع اقتصادي غيرِ مريح، لأَن الاستثمار في التعليم يَـجعلُ التربية بعد فترةٍ رافعةً اقتصاديةً مريحةً.

       هذه المقاربة الاقتصادية للتعليم نقارنُها بما يجري في لبنان فنلاحظ عندنا كثرة متخرّجين مقابل قلّة استيعاب السوق وضآلة فرص العمل، فتخرِّج جامعاتنا سنوياً أَفواجَ عاطلين عن العمل تلهف إِليهم دولٌ أُخرى، تَكتسب من مهاراتهم ومواهبهم وإِنتاجيّتهم فيَغنى اقتصادُها ويفتقر اقتصاد لبنان متهاوياً على تَضخُّمٍ في الأَعداد وهُزال في الإِنتاجيّة.

       التعليمُ تخطيطٌ أَوَّلاً، تصميمٌ ثانياً، توجيهٌ ثالثاً، قبل أَن يكون أَعدادَ طُلاّب ومئاتِ اختصاصاتٍ وآلاف متخرِّجين.

       الأَعدادُ في حاجةٍ إِلى إِعداد، وإِلاّ تكثر الشهادات المعلّقة على الحيطان وتبقى الحيطان وحدَها تزهو بــبرواز الشهادة، فيما صاحبُ الشهادة يُشاهد على انسدادِ الأُفق بعدَ التخرُّج ويَشْهدُ سنواتِه تتسلَّل من عُمره كما يتسرَّبُ الرملُ بين أَصابع الواقف على الشاطئ منتظِراً وصولَ باخرةٍ تُبحرُ به إِلى بلادٍ بعيدةٍ بعيدة... أُفْقُها غيرُ مَسدُود.

 

 

يتمّ نشر هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة "النهار" بتاريخ 16 تشرين الثاني 2013

 

 

 

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.