3

:: "حياة تنسلّ بين ع و ع" لإيلي مارون خليل ::

   
 

التاريخ : 06/11/2013

الكاتب : ماجدة داغر   عدد القراءات : 1785

 


 

كم تلتبسُ المسافات وهي تقيس الوقتَ المغادر إلى ذاكرة الليل والريح.

في زمن الالتباس ذاك، نرتكب الوقتَ كخطيئةٍ بكر، بانخطافٍ مماثل، بنشوةٍ مشابهة. "بحثاً عن..." أقصوصةٍ نراودها عن نهايةٍ سعيدة، أو روايةٍ نتواطأ مع أبطالها من أجل نهايةٍ سعيدة.

 

منذ "عنكبوت الذاكرة والزمن" والخيوطُ تتمدّد، تناورُ في حبكتها، فالنهايات في الرواية بدايات، وروايةُ البداية طلْقُ "نوافذِ الروح".

 

لم يشأ إيلي مارون خليل، أن يقترفَ تلك البداية. أراد فقط أن يُعتِقَ المسافات بين روايةٍ وأقصوصةٍ وقصيدةٍ ودراسةٍ وتعريبٍ ومقالةٍ وقصةٍ للأطفال، فاستسلمَ لغوايةِ الالتباس القاطن على حافة القلم، من دون أن يسقطَ إلا في الدهشة.

 

روى الراوي قصةَ الأدرينالين المتصاعد من تلك الحافة إلى سكناه في الرواية.

روى الراوي قصةَ "المدى المكسور" والزهرة، عرَف أن المدى أبعد من الزهرة لأنه لا يُشمّ، عرفَ كيف يفوحُ في المدى النائي، الراوي سكناه المدى والزهرةُ شاهد.

شاهد الراوي المشهدَ المقلوب، "ينسلُّ بين عينٍ وعين"، كحياةٍ في شقوقِ مرايا، تُحوّل الوجوهَ إلى حُطامٍ، إلى كِسرٍ متنازعة على وجهٍ بقطعةٍ واحدة، بعينَين اثنتين وميراث الدمع، بابتسامةٍ كاملة، بتجاعيدَ غير مبتورة،  بدهشةٍ مكتملة الاستدارة، بملامحَ مسوّرة بحزنٍ وقلقٍ ورغبةٍ وفرحٍ وحبٍ وحلم، بأنفاسٍ تتلو غيمَ المرايا، فتتشكّلُ لوحةُ المطر طويلةَ النقاط والانتظار، كوجوه نساء موديلياني، وتتبعثر ملوّنةً كأشكال كاندينسكي، ثم تعلو خفيفةً طائرة في فضاء ناس شاغال، لتعودَ إلى نقطةِ ميرو، بدايةِ الرواية، "آخرِ الجسد" أول الروح.

 

يعود إيلي مارون خليل دوماً على (غيمة الأسرار)، الطّالعة من "رماد الجمر والحنين". شعراً؟ قصةً؟ روايةً؟ مقالة؟ أصنافٌ أدبية علّمها الأستاذ المربّي، فعلّمنا أنّ الإبداعَ قصيدةٌ بأشكالٍ متحوّلة.

 

"في الليل وضعتُ الجمرَ في المبخرة فوُلدت القصيدة"، قالت  الشاعرة الإغريقية سافو. وقال هو: في مرمى القلب وضعتُ القصيدة، وفي "حياةٍ تنسلّ بين عين وعين" وضعتُ الرواية.

 

عشتُ لأروي؟ ربما، قال ذلك ماركيز. ردّ بطلُ إيلي مارون خليل روَيتُ لأعيش، بطلُ قصيدتهِ المردِّد قولَ رمبو: "الشعرُ رؤيةُ ما لا يُرى وسماعُ ما لا يُسمع"، وبطلُ روايتِه الناظر من البعيد إلى ظلِّه، يعبّئُ الفيءَ في الرواية لئلا يدهمُه الضوء.

بين عين القصيدة وعين الرواية، رؤيةٌ مزدوجة رصدَها الراوي من أعالي شجر الجوز، من ظمأ جسر الماء لأقدام العابرات، من غربةٍ معلّقة في قناديل شوارع المدينة، من نداءٍ غلب الصمتَ في الحكاية، من حَكايا تغضّنت كالوجوه، فصارت ناس الرواية.

 

بين عينٍ وعين، مسافةٌ لم تُتعب إيلي مارون خليل، قريبةٌ جداً، قصيٌة جداً. إجتازها بشغف البدايات، تاركاً عند كلّ محطةٍ حبة قمحٍ لعصافير الطريق، وكتاباً لعابري الضجر.

التاسع والثلاثون "حياةٌ تنسلّ بين ع وع"، مؤلّفاتٌ بدفء قلبه، وانسياب روحه، وغزارة أدبه. أدبٌ – هويّة لأديبٍ عرف السرَّ فامتلأ.

إيلي مارون خليل، أستاذي الذي أدين له بهذا الشغف القاتل – المحيي، الأدب. شكراً.

 

ألكلمة الّتي ألقتها الكاتبة في تقديم ندوة حول الكتاب،  في دار النّدوة 30-10-2013

الألفاظ الموضوعة بين مزدوجين:"..." إشارة إلى بعض كتب إيلي مارون خليل، أمّا الّتي بين قوسَين، فعنوان لقصيدة من كتابه: "رماد الجمر والحنين".

 

 

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.