3

:: المعلّمون بين الواجب والحقوق... والإضراب! ::

   
 

التاريخ : 26/02/2013

الكاتب : إيلي مارون خليل   عدد القراءات : 1670

 


 

       نعرف، نحنُ المعلِّمينَ، إلى أيّ صرحٍ تربويّ انتمَينا، أنّ هذا الصّرحَ من قلوبنا يغتذي، من فكرنا يُشرق، من أعيننا ينير، فيكون، ويستمرّ، ذاك الصّرحَ الشّابَّ الأنيقَ المميَّزَ المميِّزَ، والّذي نرجو له العَراقةَ دَومًا: رؤًى وتخطيطًا وعمَلًا دؤوبًا، لذيذًا، فرِحًا... ونفهم، تمامًا، أنّ هذا يتحقّق، بل لا يتحقّق، إلّا بـ"الشّركة والمحبّة"!

       وما لا شكّ فيه، هو أنّ صفةَ المعلِّمِ الأولى هي المحبّةُ. كلُّ محبّةٍ غنى نفسٍ، خِصْبُ عطاء. ومحبّتُه لا حدودَ لها؛ تتوزّع، تساويًا، على المتعلّمين والمؤسّسة والأهل والمجتمع والوطن والإنسانيّة. ولكن: مَن من هؤلاء يعرف قيمةَ هذه المحبّة الشّاملة المسامِحة الغافرة النّقيّة الطّاهرة؟ مَن منهم، يعترف لهم بالفضل، من باب حفظ الجميل والعرفان؟ إنّها المهنة ـــ الرّسالة ـــ التّضحية الّتي تُعطي ولا تُعطى. فالمؤسَّسة التّربويّة "تأكل من لحم أكتافنا" فتنمو وتشتدّ، فتشدّ علينا، تعصرنا عصرًا، ثمّ ترمي بنا، مرهَقين، شيوخًا، مرضى، وقد شحّ فينا البصرُ، وإن اشتدّت البصيرة! وتستمرّ بمَن يَلينا، بمَن يليهم... تزدهر، هي، تكبر، تغتني، و"نَنوسُ"، نحن، جسدًا، وما لنا حقّ المرض، ولا حقّ الحَمْلِ لنسائنا، (لا تطبّق المدارس الخاصّة قانون الأمومة)، ولا حقّ زيادة "الأجر". نعم، إنّه "الأجرُ"، فالمعلّمُ، مربّي الأجيال، باني مستقبل سواه، "أجير"! سنويًّا ترتفع الأقساط بحجّة الغلاء وزيادة المعلّمين؛ ولا يُعطى هؤلاء شيئًا، وكأنّما الغلاء لا يطال إلاّ أصحاب المؤسّسات ومَن ينتسب إليهم و"محظوظيهم"!

       وما يُشجّع على المحبّة، ويرتبط بها، هو المشارَكة. أنت لا تُشارِك إلاّ مَن تُحبّ. وكمعلّم مثقَّفٍ، مُحِبٍّ، تنقل ثقافتَك وعِلْمَك، إلى متعلّمين أمام عينيك وضميرك، وفي قلبك. لكنّ السّؤالَ الصّريح، أو الوقح، إن شئت، هو: "أتحبّ المؤسّسات "التّربويّة"، كلُّها، "أُجَراءَها"، بما يقضي شِعار: "محبّة ومشاركة"؟ أُطلق هذا السّؤال، هكذا، عفوًا، ببساطة متناهية، ساذجة، لـ"خَضّة" ضمير! 

       ألمعلّمون يقومون بواجبهم تجاه المؤسَّسة الّتي هم "أُجَراؤها": يحضّرون، يَحضرون، لا يتغيّبون، (إلاّ لمرض جدّيّ) يُدرّسون، يُصحّحون، يَرعون، يوجّهون، يرافقون... يوصِلون، وفي مكانهم يبقون، في عذابهم يرزحون!

اَلإدارة؟ تُدير. تُدير المؤسَّسة باهتمام (بمَن؟)، بعناية (بمَن؟)، بدراية (بمَ؟)، ببُعد نظر (إلامَ؟)... بعضُها يهتمّ برضى الأهل، بالتّلامذة، بالبناء، بالتّجهيزات، بالأعداد، بالمدخول... أتهتمّ، بعضُ الإدارات، وتعتني بـ"أُجَرائها"، أم تنظر إليهم كـ"مُنتِجين"؟ ماذا تفعل، غالبُ الإدارات، من أجل تحسين أوضاع "مُنتِجيها" الأجَراء، نفسيًّا ومادّيًّا؟ أترى أنّ الغلاء يطال هؤلاء كما يطالها؟ ترفع أقساطَها، سنويًّا، لغلاء "كلّ شيء"، ألا ترى وتعرف، ألا "تهضم" أنّ هذا الغلاء يطاول المعلِّمين أيضًا!؟ فهل ترفع راتب معلّميها، سنويًّا؟ بما يناسب ارتفاع الأقساط؟ فمنذ العام 1996، لم ينل المعلّمون أيّة زيادة، ومن حينه، كم زيادة أقرّت المؤسَّساتُ "التّربويّةُ" لنفسها؟ لمَ يقوم بواجباته، وعلى الوجه الأتَمّ، ولا يُعطى "حقوقه"؟

يراد للمعلِّمِ أن يستمرّ "رسولا"! كأنّما الرّسالة محصورة به! أليست الرّسالة، أيضًا، على عاتق المؤسَّسة؟ تستطيع المؤسَّسةُ أن تحتمل "أجراءَها"، لكن: أيستطيع هؤلاء، أن يحتملوا مؤسَّسة؟ لماذا تريد المؤسَّسةُ أن "تشارك" في حال "الخسارة"، لمَ لا "تشارك" في حال "الرّبح"؟ ألجائع لا يُنتِج! لا يستطيع أن يُنتِجَ!! ولا الحزين لأسباب كثيرة، منها: قلّة التّقدير، وقلّة الاحترام، وقلّة الثّقة... ومنها: كثرة الشّكوك بولائنا، كثرة الظّنون بنوايانا، كثرة الشّكاوى من اعتبارنا مقصّرين بواجباتنا... وبين هاتين "القلّة" و"الكثرة"، تضيع الحقوقُ، تُهدَر، فلا يبقى لك شيء، إنّما يُصبح عليك واجبات، فحسْب!   

حين تُقفَل الأبوابُ بوجه مطالِبي "الدّولةِ" بحقوقهم، وينتظر هؤلاء "الوعود" تِلْوَ "الوعود"، ألا "يحقّ" لهمُ الإضراب، محاولةً لتحصيل حقوق؟

لِمَ تجعل المؤسَّساتُ "التّربويّة" المعلِّمين في مواجهتها؟ إنّهم، في إضرابهم، يلتمسون لهم حقوقًا، يطالبون بإصلاح القوانين، وهذا حقٌّ يقرّه لهم الدّستور، خصوصًا أنّ لهم نقابة شرعيّة؟ إنّهم يواجهون ظلمَ القوانين، لا إداراتهم! ولا أهل التّلامذة! ولا المجتمع! ولا الوطن! أتقبل المؤسَّسة أن يتوافد "الأجيرُ" إليها، كلّ صباح، معانيًا الظّلم والحزن والقلق وما شابه؟ كيف "يُعطي" المظلوم الحزين القلِق؟ كيف يستطيع أن "يُنتِجَ"، أن "يُبدِعَ"!؟

*******

من ضروريّات التّربية الأوّليّة، الشّعورُ بالثّقة، بالفرح، بالمشاركة؛ فأين معلّمينا، اليوم، من هذه!؟

التّربية؟ فنٌّ! فعْلاً، إنّ التّربيةَ هي فنّ "العطاء" المجّانيّ، المتواصل، بمحبّة، بنبلٍ، بأصالة!

       لعلّها الفنُّ الأهَمُّ في الحياة. ألتّربيةُ فنٌّ؟ وأيُّ فنّ! إنّها فنُّ "نَحْتِ" الإنسانِ: عاطفةً، فكرًا، قِيَمًا، شخصيّةً... أن تنحتَ هكذا، هو أن تبني، لا الإنسانَ فحسْبُ، بل الإنسانيّةَ بالمطلَق، مرورًا بالفرد، فالعيلةِ، فالمجتمع، فالوطن... ألتّربيةُ نَحْتٌ؟ فالمعلِّمُ هو الفنّانُ النّحّاتُ المُهَندِسُ الرّائي الحُرُّ ذو القِيَم. ينجح؟ إن هو حُرٌّ فَرِح. يكون حرًّا فرِحًا، إن مُنِحَ الثِّقة. ألثّقةُ مُتعِبة. تُتعِب أصحابَ الضّمير. ألتّعَبُ، هذا، لَذّةٌ وبِشارة. وهي تُقَوّي. تُقَوّيهم. ألقوّةُ، هذه، حزمُ إرادة. والثّقةُ مُحَفِّزة. تُحَفِّزُهم. ألتّحفيزُ، هذا، حَضٌّ ودوافعُ جديدة. هكذا يُصبِحُ عملُنا، كمعلّمين، بل "نَحْتُنا"، قضيّةً. ألقضيّةُ رؤيا لا تُتعِبَ أصحابَها، فلا ييأسون.

       فيا أيّتها "الدّولةُ"! يا دولتَنا الحبيبة!

       أصغي إلى صوت المعلّم. إنّه صوت الحقِّ، الثّقة، المحبّة، المشارَكة، العدل، إنّه صوت الكرامة والضّمير.

       معلّمٌ ولا كرامة؟ كيف له أن يكون معلّمًا "رسولا"؟ وكذلك المظلوم الفاقدُ حقَّه المتألِّمُ الحزين...

       لعلّ أسعدَ السُّعَداء، مَن عملَ بفرح. ليتمَّ له هذا الفرح، لزِمه الأجواءُ والشُّركاء، إضافةً إلى كَون العملِ هوايةً أحَبّ!

       وهذا العملُ العفويُّ البسيطُ، هو ابنُ الهوايةِ عندنا، معشرَ المعلّمين. هواياتُنا؟ منّا تنبُع بالفرح المقترن بالمحبّة. هكذا تكون الهوايةُ هُوِيّة. وإلاّ، فعبثًا "يعملُ العامِلون" أو "عبثًا يبني البنّاؤون"! أو عبثًا يحلُم الحالمون!

       همُّنا الحيُّ اليوميُّ، يا وطنَنا، أن نتابع مسيرةً نجحت، وأن نجدّدَ فيها، لنجاح جديدٍ دائم. مُتَيَقّنون، نحنُ، ألنّجاحُ عملٌ جَماعيٌّ. لا ينجح الفردُ، وحده ييبس وتذبلُ أحلامُه. وها نحن، جميعًا، نعمل لـ"حقوقٍ" لنا عند الدّولة.

       يا دولتَنا العزيزة! أسرعي واستجيبي! تُقِرّين بأنّنا أصحابُ حقوق! فلا تتأخّري!

       يا إداراتِنا الحبيبة! لا تضغطي علينا، نحن "المُنتِجين"، فلسنا في مواجهة معك! إدعمينا لتُسرع دولتُنا إلى إقرار القانون الّذي نحلم أن يكون عادلا... ألمعلِّمون، جميعًا، أسرةٌ مُحِبّة بتضحية، عاملةٌ بنشاط: فكرًا فكرًا، وقلبًا قلبًا، نعلن التزامَنا المسؤوليّةَ، المَحبّةَ، القِيَمَ، بالأحرى نُجَدّدُه، في سبيل مؤسَّساتٍ راقيةٍ دومًا، بأفرادها، جميعًا: إدارات، أهلاً، عمّالاً، تلامذةً، معلّمين...

       أيّها الجميع! صوت النّقابةِ، صوت المعلّمين!

       صوت المعلّمين، صوت الغد النّاجح، صوتُ الوطنِ، صوت الضّمير!

       فلا  تُيبِسوا هذا الصّوتَ، لا تُطفئوا هذا الوطن، لا تخنقوا هذا الضّمير!

 

20/2/2013

 

 
   
 

التعليقات : 0

 

   
 

.