جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

"رمل و زبد" لجبران خليل جبران – 5 من 5


ترجمة: مفيد مسوح مراجعة: هنري زغيب
12/12/2006
  

ترجمة: مفيد مسُّوح                                  مراجعة: هنري زغيب

 

أصدر جبران كتابه "رمْلٌ وزَبَد" بالإنكليزية أواخر 1926، باثّاً فيه آراءه حول قضايا ومسائل إنسانية، بحِكَمٍ وأمثال (فاقت 300) بعد عرض لحكاية ألَّفها أو حدثٍ تصوَّره يعكس السُّلوك الفردي في العلاقات بين البشر، وجاءت بقالب الدَّعوة للتحلِّي بالأخلاق الفاضلة وتكريس ثقافة التَّسامح والمحبَّة، ما اعتبره دارسو جبران نماذج عن صوفيَّته وطوباويَّته.

وقد استهلَّ جبران كتابه هذا بكلمة قصيرة.

 

 

 

5 من 5

 

 

*   *   *

 

في الوجود عنصران: جمال وحقيقة. الجمال في قلوب العشَّاق أما الحقيقة ففي سواعد حارثي الأرض.

 

الجمال العظيم يأسرني. والجمال الأعظم يحرِّرني مِن أسره.

 

يشعُّ الجمال برَّاقاً في قلبٍ يتوق إليه أكثر مما يفعل في عينٍ تراه.

 

معجبٌ أنا بمَن يفتح لي عقله وأمجِّد مَن يفضي إليَّ بأحلامه، ولكنْ لماذا أشعر بالخجل وببعض الاستحياء ممَّنْ يُسدي إليَّ خدمةً؟

 

كثيراً ما تفاخر الموهوبون بخدمة الأمراء. والآن يتفاخرون بخدمة المعوزين.

 

تدركُ الملائكة بأنَّ كثيراً من العمليِّين يأكلون خبزهم بعرق جبين الحالمين.

 

الحذاقة غالباً قناعٌ، إن أنتَ مزَّقتَه تكشَّف عن عبقرية ثائرة أو عن ذكاءٍ ماكر.

 

الفَطِنُ ينسب إليَّ الفِطنة والخَمول ينسب إليَّ الخُمول. أعتقد أن كليهما مُصيب.

 

لا يدركُ أسرارَ قلوبنا إلا مَن في قلوبهم أسرار.

 

مَن يقاسمْكَ المسرَّة بدون الألم يفقدْ واحداً من مفاتيح الجنّة السَّبعة.

 

النيرفانا موجودة: في سَوق خرفانك إلى مرعىً أخضرَ، في وضع طفلكَ في سريره لينام، وفي كتابة آخر سطرٍ في قصيدتك.

 

إننا نختار أفراحنا وأحزاننا قبل إحيائها بزمن طويل.

 

ليست الكآبة سوى جدار بين حديقتَين.

 

عندما يعظم فرحُكَ أو حزنُكَ تصغر في عينكَ الدُّنيا.

 

الرغبة نصف الحياة. اللامبالاة نصفها الآخر.

 

أكثرُ ما في حزن يومنا مرارةً ذكرى فرح أمْسنا.

 

يقولون لي: "لا بدَّ لك أنْ تختار بين ملذَّات هذا العالم وسلام العالَم الآخر". ولهم أقول: "اخترتهما معاً، لأنَّ قلبي يدركُ أنَّ الشاعر الأعظم لم يكتب سوى قصيدة واحدة وجاءتْ تامَّةَ الوزن صحيحة القوافي".

 

الإيمان واحةٌ في القلب لا تصل إليها قوافل التَّفكير.

 

متى بلغتَ رفعتَكَ، تشتهي للشَّهوة فقط وتجوعُ للجوع فقط وتعطشُ لما يفوق العطش.

 

إنْ أنتَ أفضيتَ بسرِّكَ للرِّيح فلا تلومنَّ الرِّيح على إفشائه للشِّجر.

 

أزهار الرَّبيع أحلامٌ للشِّتاء يقدِّمُها إفطاراً للملائكة.

 

قال ظربانٌ نتِنٌ لزهرة فوَّاحة: "ألا ترينَ كيف أركض برشاقة في حين أنَّك لا تستطيعين المشي أو الزحف؟" فقالت له الزَّهرة: "أيُّها العدَّاء النبيل الرَّشيق، ألا عدوتَ برشاقةٍ لطفاً!".

 

بإمكان السَّلاحف الإدلاء بمعلومات عن الطَّريق أكثر مما تفعله الأرانب البرِّيَّة.

 

من الغريب أن للرَّخويَّات أقسى القواقع.

 

أكثرُهم كلاماً أقلُّهم حنكةً. والفرق شاسعٌ بين الخطيب والسِّمسار.

 

استطِبْ أنَّك لست مضطرَّاً للعيش على سمعة أبٍ أو ثروة عمّ. والأكثر من هذا أنَّ أحداً لن يعيش على سمعتكَ أو ثروتك.

 

لا يلجأ البهلوان استنجاداً إلا حينما تفلت الكرة من يده.

 

الحسود يمدحُني دونما قصد.

 

لَطالما كنتَ حلُماً في نوم أمِّك، فلمَّا أفاقتْ وَلَدَتْكَ.

 

جنينُ النَّوع البشريّ يكمنُ في حنين الأمّ.

 

رغبَ أبي وأمِّي بولدٍ فولداني، ورغبتُ بأبٍ وأمٍّ فولدْتُ ظلام الليل ومياه البحر.

 

بعض أولادنا مبرِّراتٌ لوجودنا وبعضهم ليس سوى ذنوب.

 

إذا جاء اللَّيل وكنتَ مثله مظلماً فنَمْ وأنتَ راضٍ بظلمتك. وإن جاء الصَّباح وما زلتَ مظلماً فانْهَضْ وقلْ للنَّهار: "مازلتُ مظلماً". مِن الغباء أن تحتال على اللَّيل والنَّهار لأنهما سيضحكان منْكَ.

 

الجبل المغلَّف بالضَّباب ليس تلَّةً، والسنديانة الغارقة تحت المطر ليست صفصافةً باكية.

 

إليك مثلٌ في التناقض: العميق والمرتفع أكثر قرباً لبعضهما البعض من قرب المتوسِّط لكليهما.

 

عندما وقفتُ أمام المرآة أنظِّفُها حملقْتَ في وجهي ورأيتني ثمَّ قلتَ لي: "أحبُّكَ"، والواقع أنَّكَ أحببْتَ ذاتَكَ فيَّ.

 

عندما تفرحكَ محبَّتُكَ جارَكَ لا تظلُّ المحبَّة فضيلة.

 

الحبُّ الذي لا يزدهر دائماً يحتضر دائماً.

 

ليس بإمكانكَ أن تحوزَ الصِّبا ومعرفته في وقتٍ واحد. لأنَّ الصِّبا مشغولٌ جدَّاً في عيشه عن المعرفة، والمعرفةُ مشغولةٌ جداً في إدراك ذاتها عن العيش.

 

قد تكون واقفاً خلف نافذتكَ تراقبُ العابرين فترى راهبة على يمينكَ ومومساً على يسارك. وقد تقول ببراءة: "ما أنبل هذه وما أوضع تلك". فإنْ أغمضْتَ عينيكَ وأصغيتَ لسمعْتَ صوتاً هامساً في الأثير: "إحداهما تبحث عنِّي في صلاتها والأخرى تبحث عنِّي في ألَمها، وبروحِ كلٍّ منهما حارسٌ لروحي".  

 

مرَّةً كلَّ مئة سنة يلتقي يسوعُ النَّاصريّ بيسوع النَّصارى في أحد كروم جبال لبنان، فيتحادثان مطوَّلاً. وفي كلِّ مرَّةٍ يغادر يسوع النَّاصريّ وهو يقول ليسوع النَّصارى: "أخشى، يا صديقي، ألاَّ نتَّفق أبداً".

 

أشبِع يا ربِّي المتْخمين.

 

للرجل العظيم قلبان: قلبٌ يتألَّم وآخرُ يتأمَّل.

 

إذا كذبَ أحدهم كِذْبةً لم تؤذِكَ ولم تؤذِ سواك، فلِمَ لا تقول في نفسك أنَّ بيتَ حقائقه ضيِّقٌ لا يتَّسِع خيالَه وقد تركه لفضاء أرحب؟

 

خلفَ كلِّ بابٍ موصدٍ سِرٌّ مختوم بسبعة أختام.

 

لحظاتُ الترقُّبِ سنابكُ الزَّمن.

 

ما همُّكَ إنْ كانت المشكلة نافذةً جديدة في الحائط الشَّرقي لبيتك؟

 

قد تنسى امْرَءاً ضحكتَ معهُ ولكنَّك لن تنسى امْرَءاً بكيتَ معه.

 

لا شكَّ أنَّ للملح تفرُّداً مقدَّساً، فكما هو في دمعنا هو في ماء البحر.

 

في ظَمئِه المُبارك سيشربنا الإله جميعاً، ندىً ودموعاً.

 

ما أنتَ إلاَّ جزءٌ من ذاتك الضَّخمة، فمٌ يطلُبُ خبزاً ويدٌ عمياءُ تحمل كأساً لفمٍ عطِش.

 

لو ارتفعتَ ذراعاً واحداً عن عِرْقِكَ وبلدِكَ وذاتِك لَصِرْتَ حتماً شبه إله.

 

لو انِّي كنتُ مكانك لما وجدتُ في البحر خطأً عند الجزر.

 

لا عيبَ في السَّفينة وقبطاننا ماهرٌ، لكنَّ الاضطراب في معدتك أنت.

 

إنْ امتطيتَ غيمةً فلن ترى حدود البلاد ولا فواصلَ المزارع. مؤسفٌ أنَّك لن تمتطي غيمة.

 

منذ سبعة قرون طارتْ سبعُ حماماتٍ بيضاءَ مِن وادٍ عميق تُحلِّق باتِّجاه قِمَّةِ جبلٍ تغطِّيه الثلوج البيضاء. وكان سبعة رجالٍ يراقبون تحليقها فقال أحدهم: "أرى نقطةً سوداء على جناح الحمامة السَّابعة".  واليوم يتحدَّث ناس ذلك الوادي عن سبع حماماتٍ سوداء طارتْ إلى قِمَّةِ الجبل ذي الثلوج.

 

جمعتُ أحزاني في الخريف ودفنتها في حديقتي. ولمَّا عاد نيسانُ وجاء الربيع فضاجع الأرض نبتتْ في حديقتي أزهارٌ ليست ككلِّ الأزهار. وإذ جاءني الجيران يعاينونها قالوا لي: "عندما يأتي الخريف ثانية في وقت البذار، ألا تعطينا مِن بذار هذه  الأزهار بحيث تنبتُ في حدائقنا"؟

 

مِن البؤس أن أمدَّ يداً فارغة فلا أجد مَن يملأُها، ولكنْ مِمَّا يودي إلى اليأس أن أمدَّ يداً مليئة فلا أجدُ مَن يأخذ.

 

أتوقُ إلى الخلود، ففيه سألتقي بقصائدَ لم أكتبها وبلوحاتٍ لم أرسمْها.

 

الفنُّ خطوةٌ من الطبيعة نحو المطلَق.

 

الفنُّ ضبابٌ مسكوبٌ في خيال.

 

حتى اليدان اللتان تصنعان أكاليل الشَّوك، أفضل من اليدين العاجزتَين.

 

أقدسُ دموعنا لا تأبه بمآقينا.

 

كلُّ إنسان حفيدٌ لكلِّ مَلِكٍ ولكلِّ عبدٍ عاش من قبل.

 

لو عرف جدُّ يسوع ما كان مُخبَّأً في داخله، أما كان سيقف خاشعاً أمام نفسه؟

 

هل محبَّةُ أُمِّ يهوذا لابنها أقلُّ مِن محبَّةِ مريمَ أُمِّ يسوع لابنها؟

 

لأخينا يسوع ثلاث أعجوبات لم يسجِّلْها الكتاب: الأولى أنَّه كان إنساناً مثلك ومثلي، الثَّانية أنه تحلَّى بروح الدُّعابة، والثَّالثة معرفته بأنَّه كان غالباً رغم أنَّه غُلِبَ.

 

أيُّها المصلوب، مصلوبٌ أنتَ في قلبي، والمساميرُ التي تخترقُ يديكَ تنفذُ في جدران قلبي. وغداً عندما يمرُّ غريبٌ بهذه الجلجلة لن يعلمَ بأن اثنين أُدميا هنا. سيظنُّ أنَّ هذا دمُ رجلٍ واحد.

 

لعلَّك سمعت بالجبل المُبارَك، أعلى جبلٍ في العالم. لو بلغْتَ قِمَّته ستبقى لديكَ أمنية واحدة: أنْ تهبط مع النَّازلين إلى أعمق وادٍ. ولذا دُعي بالجبل المبارَك.

 

كلُّ فكرة حجبتُها عن التَّعبير، لا مناص لي مِن إظهارها بمأثرة.

 

تمّ

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=589