جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

أيّوب تابت رئيسٌ نفتقدُ مَثيلَه


إيلي مارون خليل
20/06/2009
  

أيّوب تابت رئيسٌ نفتقدُ مَثيلَه *

 

إيلي مارون خليل

 

 

إلى جانب كون الصّديق جوزف أبي ضاهر شاعرًا، وفنّانًا، وصحافيًّا، هو أيضًا باحثٌ متعمِّقٌ، يعرف كيف يوجز ويبقى واضحًا، وكيف يوضح من دون أن يثرثر، وكيف يذكر تفصيلاً من دون أن يهذر، وكيف يغمز من دون أن يقرص... يبقى، حتّى في بحثه، الشّاعر والفنّان المُشير، الموحي، المؤثِّر!

 

          أسوقُ هذا الكلام، بعد أن أنهيتُ قراءة كتابِه الأخير(ألرّئيس أيّوب تابت: شاعر الودَيّ)، وقد صدر حديثًا في "منشورات جامعة الرّوح القدس ـ الكسليك".

 

          تُشكِّلُ، الصّفحاتُ الخمسون الأولى، بحث أبي ضاهر، وعناوينُه:

          مدخل (6ـ7) يوجز فيه، بشكلٍ غاية في السّرعة، أهمّيّة الزّجل اللبنانيّ الّذي "يُشَكِّل بوّابة إلى الثّقافة الشّعبيّة، فيؤرّخ وينقل، ويصوِّر الحياة اليوميّة..." ثمّ بدايات الزّجَل وتاريخه ذاكرًا اسمَين هما: سليمان الأشلوحيّ(1270/1335) وجبرائيل القلاعيّ(1450/1516)، مشيرًا، ختامًا، إلى أنّ هذا البحث هو "أوّل السّلسلة" الّتي تنوي الجامعة إصدارها عن هذا الفنّ.

          أوّلا (8ـ14) هو الفصل الثّاني في الكتاب، وقد ضمّنه علاقة بعض حكّام لبنان، عبر التّاريخ، بالزّجل، بدءًا بفخر الدّين المعنيّ الثّاني الكبير (1572/1635)، ثمّ الأمير بشير الشّهابيّ (1767/1850)، فنعّوم لبكي (1875/1924)، ذاكرًا علاقة كلٍّ منهم بهذا الفنّ، وبعض "ردّاتِه"، وصولاً إلى أيّوب تابت، وهو موضوع البحث، وكتابِه (الودَيّ) وقد وضعه سنة 1932 وتمّ نشره سنة 1947.

          ملامح من سيرة (15/35) وهو أطول الفصول وفيه يسترسل في كتابة سيرة الرّجل، من دون تفاصيل مرهقة للقارىء أو لفنّ السّيرة بحدّ ذاته. يكتفي أبو ضاهر بالمُهمّ مستندًا "إلى كتابات موثَّقة بشهادات بعض أهله ومعارفه".

          من بعض اللافت، في سيرة أيّوب تابت، عملُه الاجتماعيّ والسّياسيّ منذ تخرّجه طبيبًا في تكساس وعودته المباشرة إلى الوطن. وتأسيسه جمعيّات سرّيّة، منها جمعيّة بيروت للإصلاح وكان "كاتم سرّها"، كما انتسب غلى جمعيّات أخرى، تعمل في الإطار نفسه، ومنها: حزب النّهضة اللبنانيّة، ومكتب المنتدى العربيّ ـ السّوريّ. وفي عام 1913 تأسّست، في باريس، الجمعيّة الإصلاحيّة وكان "كاتم أسرارها" الكاتب باسمها المقالات والخطب والبيانات والاحتجاجات. ومع الحرب العالميّة الأولى عاد إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة وأسّس، مع عديدين، رابطة سوريّا ـ جبل لبنان للتّحرير وانتُخب رئيسًا لها وكان من بين أعضائها العاملين: جبران خليل جبران وأمين الرّيحاني وميخائيل نعيمة، وهدف هذه الجمعيّة تحرير البلاد. وخلال هذه المرحلة، "اضطرّ أيّوب تابت إلى رهن ساعته الذّهبيّة، غير مرّة في نيويورك، لسدّ رمق، ولإرسال برقيّات إلى رؤساء الحكومات، إسماعًا لصوت لبنان..."

          وبعد الانتداب عاد إلى بيروت وانتُخب نائبًا لأربع دورات، وتعيينًا لمرّتين، وعيِّن وزيرًا لغير وزارة، ووضع تصميم الإدارة، ومسوّدة الدّستور على أساس غير طائفيّ... ثمّ أصبح رئيسًا للجمهوريّة "من 18 آذار إلى 21 تمّوز 1943". وهنا يورد أبو ضاهر حكايات كثيرة تكشف بعض صفات هذا الرّجل الّذي عُرف "بنظافة الكفّ، وصلابة الرّأي، وبروح إنسانيّة سمحاء"... وبفقر يستطيع، معه، أن يتنازل عن جزء من معاشه دعمًا للأمير خالد شهاب، مستندًا إلى كتابات لجواد بولس ووليم كاستفليس والحاج عبد القادر النّويريّ وسواهم. ولا أنسى هذه ، بعد: "كان أوّل لبنانيٍّ طالب أن تُكتَب في هُويّته أمام كلمة المذهب عبارة لا طائفيّ" (ص31).

          ألصّحافيّ الكاتب... والشّاعر (36/50) الفصل الأخير من البحث، وهو تحليل سريع، حيّ، وتقويم لكتاباته السّياسيّة والشّعريّة وفيها، جميعًا، النّقد الصّارخ والثّورة المُحَفِّزة:

خُلِقَ النّاسُ في الحقوق  سـواءٌ   فتقـوّى قومٌ وسـادوا البقيـّه

زعموا أنّ المُـلكَ آتٍ إليهــم    بدءَ بـدءٍ من سلطةٍ عُـلويّه...

أورثـوه بعد الممـات  بنيهـم    أمشـاعٌ حقـوقنـا البشريـّه؟

 

ولا نزالُ نسأل السّؤالَ عينَه..!

       ختامًا، يُثبتُ المؤلِّفُ قصيدة (الودَيّ 51/123) وهي الأثر الشّعريّ الّذي كتبه أيّوب تابت، بعد الرّئاسة، وقد عاد إلى بحمدون الّتي فيها هذا المكان الجميل. والودَيّ، كما جاء في تعبير يلي العنوان: "ذكريات لبنانيّة عزيزة" بقلم الفقيد أيّوب تابت. ولهذه القصيدة ـ الكتيّب مقدّمتان: أولى للنّاشر نجيب ليان مؤرَّخة "بيروت في 16حزيران سنة "1947، وثانية للدّكتور أيّوب تابت عينِه "مؤرَّخة 22 شباط" 1932. في الأولى شرحٌ للفظة الودَيّ وموقع هذا المكان وإيضاح لمناسبة وضع القصيدة وإلماح إلى قيمتها. وفي الثّانية إيضاح ضئيل للودَي، كمكان، فاتّخاذه له "مسرحًا لوصف عيشة أبناء القرى أيّام ولدنتهم. وقد أُلبس الوصف شكل حكايات ولدنة مع نتيجة حكميّة"... ثمّ أقسام الكتاب وهي ثلاثة فصول بأقسام مختلفة، وهي كلّها من النّظم المعروف "بالمْعَنّى".

          تبقى إشارة أخيرة: لغة الكتاب واضحة، سخيّة، نابضة، سهلة، آسرة، وإن كان موضوعه بحثًا. صحيح أنّ الكاتب صحافيّ، إلاّ أنّه شاعرٌ ورسّام. والأسلوب هو الشّخص، على قول الفرنسيّين. وأيّوب تابت، ألسّياسيّ والشّاعر، بدا إنسانًا قبل أيّ شيء، إنسانًا حُرًّا، مناضلا، زاهدًا، شريفًا... من طينة الأولياء الصّالحين الّذين نفتقد أمثالَهم في هذه الأيّام الكالحة اللئيمة المُضنية. أللهمّ، أعطنا سياسيّين على شاكلة هذا الرّجل، بهم يخلص لبنان!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ      

* جوزف أبي ضاهر ـ ألرّئيس أيّوب تابت، شاعر الودَي ـ 128 صفحة من الحجم الوسط، منشورات جامعة الرّوح القدس ـ الكسليك 2009.            

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=5345