جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

كتاب "رمل وزَبَدْ" لجبران خليل جبران


ترجمة مفيد مسوح – مراجعة هنري زغيب
05/11/2006
  

 

 

أصدر جبران كتابه "رمْلٌ وزَبَد" بالإنكليزية أواخر 1926، باثّاً فيه آراءه حول قضايا ومسائل إنسانية، بحِكَمٍ وأمثال (فاقت 300) بعد عرض لحكاية ألَّفها أو حدثٍ تصوَّره يعكس السُّلوك الفردي في العلاقات بين البشر، وجاءت بقالب الدَّعوة للتحلِّي بالأخلاق الفاضلة وتكريس ثقافة التَّسامح والمحبَّة، ما اعتبره دارسو جبران نماذج عن صوفيَّته وطوباويَّته.

وقد استهلَّ جبران كتابه هذا بكلمة قصيرة.

 

 

 

 

  

 

 

1 من 5

 

 

على هذه الشَّواطئ أتمشَّى أبداً بين الرَّمل والزَّبَد.

سيمْحو المدُّ آثارَ قدميَّ وتذهب الريح بالزَّبد.
أما البحر والشاطىء فباقيان إلى الأبد.

ملأتُ يدي مرَّة بالضَّباب ثمَّ فتحتُها، فإذا بالضَّباب صار دودةً. وأغلقتُ يدي وفتحتُها ثانية، فبدا لي فيها عصفور. وأعدْتُ غَلْقَ يدي وفتحَها فإذا في راحتها رجلٌ حزينُ الوجه ينظر إلى السَّماء.

 

 

وعندما أغلقْتُ يدي مرة رابعة وفتحتُها لم أر فيها غيرَ الضَّباب!

لكنَّني سمعتُ أغنيةً بالغة الحلاوة.

 

خُيِّل إليَّ في الأمس أنني ذرَّةٌ تتمَوَّج مرتجفةً في دائرة الحياة بغير انتظام.

واليوم .. أُدرك أنِّي أنا الدَّائرة، وأنَّ كلّ الحياة تتحرَّك فيَّ بذرَّاتٍ منتظمة.

 

في يقظتهم يقولون: "أنتَ والعالَم الذي تعيش فيه حبَّةُ رملٍ على شاطىء غير متناهٍ  لبحرٍ لا حدَّ له".

وفي حلمي أقول لهم: "أنا البحر الذي لا حدَّ له، والعالم كلُّه حبَّاتُ رمل على شاطئي".

 

ما اخترتُ الصَّمت جواباً إلاَّ لمَن سألَني: "من أنتَ؟".

 

فكَّرَ الله فكان فِكْرُه الأوَّل ملاكاً.

وتكلَّم، فكانتْ كلمتُه الأولى إنساناً.

 

كنَّا، بني البشر، مخلوقاتٍ هائمةً تُنْشِدُ ذاتَها الضَّالَّةَ في الأحراج، قبل أنْ تمنحَنا البحارُ والرِّيحُ كلماتِها بألفِ ألفِ سنة. كيف إذن نستطيع أنْ نعبِّرَ عن غابر الأيام بأصواتٍ متواضعةٍ تعلَّمْناها ما سوى في الأمس القريب؟!.

 

تكلَّم "أبو الهول" مرَّةً في حياته. قال: "حبَّة الرَّمل صحراء. والصَّحراء حبَّة رمْل. فلنعدْ إلى صَمْتِنا".

سمعتُ ما قالَه أبو الهول، لكنني لم أفهم.

 

 رقدْتُ طويلاً فوق تراب مِصْرَ صامتاً غافلاً عن الفصول.

وما إن ولَدتْني الشَّمس حتى انتصبتُ ورحتُ أمشي على ضَفَّتي النِّيل، أرنِّم مع الأيام وأحلم مع الليالي.

وها الشَّمس تدوسني الآن بألف قدمٍ كيما أعودَ إلى رقادي فوق تراب مِصْر.

هذا هو الُّلغز، وتلك هي الأعجوبة: الشَّمس ذاتها التي جمعتْني ليس بوسعها أن تفرِّقني الآن.

وها أنا ما زلت منتصباً أمشي بخطىً ثابتة على ضَفَّتي النِّيل.

 

التذكُّرُ إحدى صور اللقاء. النِّسْيانُ أحد أشكال الحرِّيَّة.

 

نقيسُ الزَّمن وفق حركة نجوم لا تحصى، وهم يقيسون الزَّمن بآلاتٍ صغيرة يحملونَها في جيوبهم.

كيف لنا أن نلتقي في مكان واحد ووقت واحد؟

 

الفضاء بين الأرض والشمس ليس فضاءً لمن ينظر إليه من فُتُحات المجرَّة.

 

الإنسانية نهرٌ من نور تجري مياهُه من الأزل إلى الأبد.

 

ألا تحسُدُ الإنسانَ على آلامه تلك الأرواحُ السَّاكنة في الأثير؟

 

في طريقي إلى المدينة المقدَّسة صادفت حاجَّاً، فسألته:

"أهذه هي الطريق إلى المدينة المقدَّسة؟"

فأجابني: "اتْبعني تصلْ إلى المدينة المقدَّسة بيوم وليلة".

تبعتُه وسرنا أيَّاماً ولياليَ ولم نبلُغ المدينة المقدَّسة!

وأدهشني غضبه مني حين أدرك أنَّه أتاهني.

 

اجْعلْني ياربّ فريسةً أسدٍ قبل أن تجعلَ أرنباً فريستي.

 

قد لا يبلغ الإنسان مقصدَه سالماً إذا اختار طريق الليل.

 

همسَ بيتي في أذني: "لا تهجُرْني. في داخلي يسكنُ ماضيك".

وقالت ليَ الطَّريق: "تعالَ اتْبَعْني. أنا مستقبلُك".

وللبيت والطريق أقول: "لا ماضٍ لي ولا مستقبل. إذا أقمتُ فإقامتي رحيلٌ، وإن رحلتُ فرحيلي بقاءٌ. وحدَهما، المحبَّةُ والموت، قادران على تغيير جميع الأشياء".

 

كيف لي أن أفقد إيماني بعدالة الحياة ما دمتُ أُدركُ أنَّ أحلامَ النائمين على فراش وثيرة ليست أجملَ من أحلام الذين يفترشون الأرض؟.

من الغريب أن لذَّة محدَّدة أنْشُدُها تشكِّل جزءاً من ألمي.

 

احتقرتُ نفسي سبعَ مرَّات:

الأولى، عندما رأيتُها تتظاهرُ الوضاعة وهي تنشدُ الرِّفعة.

والثانية عندما رأيتها تترنَّح متجاوزة العَرْجى.

والثالثة عندما خُيِّرتْ بين السَّهل والشَّاق ففضَّلت السَّهل.

والرابعة عندما اقترفَتْ ذنباً وراحتْ تبرِّره باقتراف الآخرين ذنوباً مماثلة.

والخامسة عندما عجِزَتْ عن فعل شيء لضعفها وعزَتْ صبرَها إلى القوَّة.

والسادسة عندما احتقرتْ بشاعة وجهٍ تبيَّن أنه أحدُ براقعها.

والسابعة عندما غنَّتْ مديحاً واعتبرتْ غناءَها فضيلة.

 

جاهلٌ أنا الحقيقةَ المطلقة، غير أنَّني أجثو راكعاً أمام جهلي .. وفي هذا فخرٌ لي وثواب.

 

بين خيال المرء وما يُحرزه مسافةٌ لا تجتازُها إلا اللَّهفة.

 

الفردوس خلف الباب، في الغرفة المجاورة، لكني أضعتُ المفتاح.

ربما وضعتُه في غير مكانه.

 

أنتَ أعمى وأنا أبكم، فليُدْرك بعضنا البعض بالأيدي.

 

ليست قيمة المرء بما بلغَه بل بما ينوي بلوغه.

 

بعضُنا يشبه الحبر وبعضنا الآخر يشبه الورق، ولولا سوادُ بعضنا لكان البياضُ أصمَّ، ولولا بياضُ بعضنا الآخَر لكان السَّواد أعمى.

 

أعطني أُذُناً أعطِكَ صوتاً.

 

العقل كالإسفنجة والقلب كالجدول.

أليس غريباً أن معظمنا يفضِّل الامتصاص على الجريان؟

 

إن تُقْتَ إلى برَكة لم تحدِّدْها أو أصابك اكتئابٌ تجهل له سبباً، فاعلمْ بأنَّك تنمو مع كلِّ ما ينمو وتسمو نحو ذاتك العظمى.

 

مَن ثمُلَ برؤية، حسِب نبيذَه تعبيرَ ثمالته.

 

تشربون الخمرة طلباً للسكْر وأشربهُا طلباً للصَّحو مِن خمْرةٍ أخرى.

 

عندما تفرغ كأسي أتقبَّل فراغَها وأستاءُ عندما أراها نصف ملأى.

 

ليست حقيقة المرء بما يُظهرُه للآخرين بل بما يعجز عن إظهاره لهم. إذا أردتَ فهمه فلا تنصتْ إلى ما قال بل إلى ما لم يقلْ.

 

لا معنى لنصف ما قلت. لكنّي قلته إتماماً لمعنى النِّصفِ الآخر.

 

روح الدُّعابة تكمن في مناسَبة الأشياء بعضها إلى بعضها الآخَر.

 

أوصلني إلى الوحدة ثناءُ الآخرين على أخطائي المعلنة ولومُهم إيَّاي على مثالبي المستترة.

 

عندما لا تجد الحياة مغنِّياً يرنِّم نغماتها تخلق فيلسوفاً يشرح أفكارها.

 

شرطُ الحقيقةِ أن تُعرف دائماً وأن يُباحَ بها نادراً. الحقيقة فينا صامتة وما نكتسبه تداوليّ.

 

إذا كان صوت الحياة فيَّ لايصل إلى أذُن الحياة فيك فليُكلِّم بعضنا بعضاً دفعاً لوحشة الصَّمت.

 

إن تحادثت امرأتان لا تقولان شيئاً، وإذا تكلَّمت واحدة تجلَّتْ بكلامها الحياة بأسرها.

 

قد يعلو صوت الضِّفدع على صوت الثور. لكن الضِّفدع لا تجرُّ محراثاً ولا تدير معْصَرَةً، ولا أنت ستصنع مِن جلْدِها حذاءً.

 

لا يَحسُدُ الثرثارَ إلا الأبكم.

 

مَن يصدِّق الشِّتاءَ إن قال: "الربيع في قلبي"؟

 

في كلِّ بذرة حنينٌ إلى الأرض.

 

لو فتحتَ عينيك ونظرتَ مليَّاً لبدَتْ لك صورتُك بين ما تراه من صُوَر، ولو فتحتَ أذنيك وأصغيتَ بانتباه لسمعْتَ صوتَكَ بين الأصوات. 

 

كشْفُ الحقيقة يتطلَّبُ اثنين: واحداً ينطقها وآخرَ يفهمها.

 

أصداء كلماتنا بيننا لا تزول ونحن في أعماقنا صامتون.

 

المذهبية كزجاج النَّافذة، نرى مِن خلاله الحقيقة لكنه يفصلنا عنها.

 

تعالَ نلْعبْ لعبة "الغمَّيضة". لو اختبأتَ في قلبي لسهُل عليَّ العثور عليك، ولكنَّكَ إن اختبأتَ وراء صَدَفَتِكَ لأصبح مِن العبث أن نبحثَ عنك. امرأةٌ تحجب وجهها بابتسامة.

 

 

 

 

 

يتبع

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=469