جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

لأَنّ السـيـاسـيّــين جَـعَـلُـوهُ "مكسر عصا" لـتـغـطـيـة مَـعَـاصـيـهـم - القطاعُ العام: شَـمَّاعة ذُنُوب الدولة - أَزرار - الحلقة 1008


هنري زغيب
29/09/2017

 

 

أَيَّا يكُن الشَرخ الذي أَحدثَــتْـه اضطراباتُ هذا الأُسبوع، يـبـقى شَرخٌ أَكبرُ خرجَ من القمقم ولن يعودَ إِليه حتى يُطيحَ الفوقية تجاهه.

إِنه القطاع العام. جعَلَه الجميع "مكسر عصا"، وها هو انقلب على الجميع أَنْ هو العصا التي تَكسِر ولا تَـنْـكَـسِـر، وأَنْ هو القطاع الفاعل في مفاصل الدولة والشعب والوطن.

جعلوه الجندي المجهول يعملون بِاسْـمِه فيما هم على اسْـمِهِ يَغْتنون ويُفْقِرونه.

يتَّهمونه بالتلكُّؤ  كي يَـختبئوا وراء اتهامهم إِياه فيُمَرِّروا صفقاتهم.

يَشلّون حياته بالقهر والظلم والإِجحاف فيما هو عصب الحياة اليومية في البلاد.

يرفضون له زيادة راتب لحياةٍ كريمة ويرتعون في ملايـينهم مرفَّهين بلُقمةٍ هو الذي أَمَّنها لهم من وظيفته في حياته المتقشّفة، وإِذا طالبَهم بتحسين وضْعه مع ارتفاع غلاء المعيشة انهالوا عليه اتهامًا بأَنه أَصلُ البَلاء وسببُ انهيار الوضع الاقتصادي.

إِنه القطاع العام.

حين كانت البلاد بلا رئيس جمهورية، بقي يُشَغّل حركة الجمهورية في انتظام ودوام. حين تكون الحكومة في فترة تصريف الأَعمال يَـبـقى يُصرّف شُؤُون الدولة. كان حاضرًا ويـبقى حاضرًا في جميع الظروف السياسية والأَمنية المتخِّبطة، كي يُصرِّف شؤُون المواطنين فلا تنهار الدولة على رؤُوس الناس الذين جعلَهم سياسيوها كُرةً يتقاذفونها من مرمى متراس إِلى مرمى متراسٍ آخر. بلى: هو الذي يـبقى صابرًا مُداومًا ساهرًا يحمل الدولة على أَكتافه التي يَـمتطيها المسؤُولون معتبرينَها أَكتاف خُدَّامهم في المزرعة ومحاسيبهم وأَزلامهم الذين ورثُوهم مَطايا تلقائية.

إِنه القطاع العام.

ليست مشكلته أَن يَروح يَـبحث عن ضرائبَ جديدةٍ كي يُؤَمِّن موارد للدولة فيرفع المسؤُولون رواتبه.

يَجدونه عبئًا عليهم فيما هو الذي يتحمَّل العبْءَ الأَكبر وتُرهقه الفواتير المزدوجة من ماء وكهرباء ودواء واستشفاء وتعليم.

حين ينجح في أَدائه يقطف نجاحَه المسؤُولون، وحين تعلو موجة الفساد يختبئون وراءَه متّهمينه بالفساد فيضعونه في التصرُّف أَو يَستبدلونه أَو يُقيلونه عقابًا له كي يُخفوا فسادهم.

يَـمنعونه من الانتفاض عليهم لأَنه إِذا انتفض يَفضح مساوئهم بِـحجمه الحقيقي الذي هو محرّك الدولة الرئيس.

حتى القطاع التربوي الخاص مَدينٌ له لأَن معظم معلِّميه هم من القطاع الرسمي بخبرتهم ومواهبهم وقدراتهم التعليمية ونهوضهم التربوي، فلماذا تنفصل المدارسُ الخاصة عن حركة الانتفاضة كأَنها غير معنيّة طالَـما أَمّنت أَقساطها فأَقفَلت الباب على المراجعات؟

إِنه القطاع العام. يواجِهُه المسؤُولون بِفَوقـيَّـتهم، يُعلّقون عليه فسادهم وتقصيرهم وفضائِحهم ظَـنًّا بأَنه لن ينتفض. لكنهم لم يدركوا أَنه المارد الذي جعلوه شَـمّاعة لذنوبهم يَـحملها ويَسكت فإِذا به يَنتفض فيَرمي في وجوههم ثقْل ذُنوبهم ويَـــرُدُّها عليهم ويحاسبهم بغضبٍ ويَفضح فَسَادهم الـمُستدام.

القطاع العام؟ إِنه هواءُ الحياة ومحاكَمةُ الظالِـمين... بالإِذْن من أَجواء باستيل ﭘـــاريس.

*

يتم نشرُ هذا المقال بالتزامن مع نشره في صحيفة النهار بتاريخ 30 أيلول 2017

 

هـنـري  زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=14243