جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

جبعونيو عورتا


ترجمة حسيب شحادة
31/01/2017

 

 

هذه القصّة رواها بالعبرية الكاهن الأكبر، يعقوب بن عزّي المعروف بأبي شفيق، (١٨٩٩-١٩٨٧، كاهن أكبر منذ عام ١٩٨٤ وحتّى وفاته) على مسامع بنياميم راضي صدقة (١٩٤٤ــ) الحولوني، الذي سجّلها، صاغها من جديد ونقّحها. أبو شفيق من  أشهر الشخصيات السامرية في العصر الحديث، كاتب وصحفي، له عدّة كتب ما زالت مخطوطة مثل كتاب السامريين، وصيتي وتاريخ حياتي؛ كنت قد تعرّفت عليه في بداية سبعينات القرن الماضي في مكتبه في نابلس، واستفدت من علمه في إعداد أطروحتي للدكتوراة في حينه بإشراف الأستاذ زئيڤ بن حاييم (١٩٠٧-٢٠١٣).

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة المنشورة في الدورية السامرية أ. ب. - أخبار السامرة، العددان ١٢١٧-١٢١٨، ١٠ حزيران ٢٠١٦، ص. ١٦-١٩. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩ وما زالت تصدر بانتظام، تُوزّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة ترزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة الشقيقين بنياميم (الأمين)  ويفت (حسني)،  نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

 

”نعم يا بِنياميم، يا ابني، أنت تقُصّ عليّ حكاياتٍ قصّها عليك بعض آباء الطائفة حول عجائب قرية عورتا وقبر الكاهن الأكبر، إلعزار بن أهرون، ابن شقيق سيّد الأنبياء، موسى عليه السلام. نعم، حكايات حيث الخيال فيها يطغى على الواقع. لا، لا، لا سمح الله، لست بصدد ازدراء ما قصّوا عليك، لأنّ موقع قبر إلعزار في عورتا رائع وعجائب كثيرة حصلت فيه. منها ما سمعته من والدي، وجدّي الذي ربّاني بنفسه، الجدّ الكبير، يعقوب بن أهرون رحمة الله عليه. في الواقع لا أشُكّ في قصصهم، حول ما شاهدوا هم أو آباؤهم في ذلك المكان.

على سبيل المثال، هناك قصّة عن ذلك القروي الذي تواجد في المكان وحمّل حماره بأكياس مملوءة بورق العنب سرقها من أشجار الكرمة، التي نبتت في موقع القبر. عندما وصل بيته، وأنزل الحمولة المسروقة عن حماره، اكتشف لدهشته الشديدة ولقلقه المتفاقم، أنّ كلّ ما سُرق من هناك قد دَوَّد لدرجة عدم صلاحيته للطعام، بالرغم من أنّه قبل قليل، كانت الأوراق طازجة غضّة.

هذه قصّة قصيرة عن من يمدّ يده ليختلس، ونهايته تكون لعنة عمله حالّة به. قد قال سيّد الشعراء، مرقه، في قصيدته ”أنظر إلينا“ [أنظر زئيف بن حاييم، عبرية وآرامية السامرة، مج. ٣، سفر ثان، القدس ١٩٦٧، ص. ١٣٣ إلخ. في الأصل بالعبرية] التي لا نظير لها، وقيل الخزي لا يعرف إلى أين يسير، حتّى يعود ويحلّ بفاعله. لا ترتاح الخطيئة حتّي تعود وتضرب الخاطىءَ نفسه. أعليّ أن أُثبت لك، بناء على أمور تحدث لنا في الوقت الراهن؟ أثمّة حاجة تقضي بأن أشير إليك عن هذا الشخص أو ذاك، حيث أنّ أفعاله المنحرفة في الماضي، تعود الآن وتضربهم هم، وبصورة شديدة لحدّ بعيد.

ولكن، لا أُومن بأيّ شكل من الأشكال، بعجائبَ أُخرى من الماضي القريب، كنت قد سمعت عنها وكأنّها جرت في عورتا. وعلاوة على ذلك، شهد الراوون بأنّني كنت حاضرًا عند حدوث بعض تلك العجائب. مثال على ذلك، تلك القصّة التي قصّوها عليك حول صينية المجدرة (عدس وأرز)، التي أشبعت خمسين ألف مواطني القرية العربية عورتا، الذين انقضّوا عليها في موقع القبر، بدل الانقضاض على السامريين، الذين حضروا لزيارة المكان.

كنتُ هناك. عدد سكّان عورتا اليوم أقلّ من خمسة آلاف؛ لم يكن هناك خمسون ألفًا، بل خمسة أشخاص سبّبوا لنا إزعاجًا في زيارتنا. عندما يعمل الخيال الشرقي، فلا حدّ لخيال القاصّين المُجنّح.

 

ختم التوراة وخِطبة في عورتا

 

ما أودّ أن أقصّه عليك هي قصّة حقيقية. قصّة لي فيها شخصيًا ضلع، وهي تدور حول مضايقة أهالي عورتا لنا في موقع قبر إلعزار، وكيف نجونا منهم بفضل صمودنا وحيلتنا. مثل هذه المضايقة لم تكن أمرًا نادرا. في كل زيارة تقريبًا، كان شباب القرية وفتيانُها، يتجمّعون حول حفنة من الزوّار السامريين، ويحاولون التحرّش بهم والاعتداء عليهم. كل هذا لم يردع السامريين من العودة لزيارة المكان، لا سيّما في المدّة الواقعة بين الفسح وأيام ما بعد عيد الأسابيع. كان السامريون يُحضرون معهم الكثير من المأكل والمشرب، يجلسون في موقع القبر حيث النسيم العليل المنعش.

هناك جلسنا نحن أيضًا، وأمضينا ساعاتٍ طويلةً من الفرح والاطمئنان، بالرغم من اللحظات القاسية التي استخدمت فيها أذرع زعران القرية العربية. القصّة التي أودّ التحدّث عنها، حصلت في بداية أربعينات القرن الماضي. حتّى تلك الزيارة، كنت آمل على مدى سنين، أن أعود وأزور قبر إلعزار، إلا أنّ الظروف حالت دون ذلك. لولا تلك المناسبة التي طالتني، لكانت زيارتي للمكان أمرًا مشكوكًا فيه ومؤجَّلًا لأعوام كثيرة.

كان ذلك عندما نوى حُسني (يفت) بن إبراهيم صدقة، صديقي الغالي رحمه الله، أن يقيم في المكان ثلاثة أفراح لثلاثة أبنائه. فرح ختم التوراة لابنه الوحيد صدقة ابن الستّ سنوات، وفرح الخطوبة لاثنتين من بناته الجميلات.

لا شكّ أن ذلك كان أسعد يوم في حياة حسني، حتّى ذلك الوقت. إنّه رجل طويل القامة، عريض الكتفين، أشقر الشعر، منتصب ووسيم ولا نظير له. كان السامري الأول الذي تزوّج من يهودية، وكما تعلم لم ينظر السامريون إلى ذلك بعين الرضا قطّ، بل بالعكس. لم يرضوا عنه إلى أن أنجبت زوجته مريم ستّ بنات وبعثت الأمل في قلوب العُزْب  السامريين، الذين خاب أملهم في الزواج يومًا ما قبل ذلك.

وقف عند بوّابة موقع القبر وأحاط به زوجته، ابنه وبناته الستّ الجميلات الجذّابات. ابتسم لكلّ القادمين، كهنة وشيوخ وشباب ونساء وأطفال، وصلوا بسيّارات استأجرها حسني بماله. كان موسرًا واعتاش جيّدًا من عمله في المسلخ في يافا.

أظنّ أنّ جميع سامريي نابلس تقريبًا قد حضروا في ذلك اليوم إلى عورتا. وكذلك قدِم السامريون القلائل الذين سكنوا في يافا. لا ريب أنّ لا أحد أراد أن يفوّت فرحًا مثلثًا كهذا يقيمه حسني السخيّ، وخصوصًا في مكان جذّاب إلى هذه الدرجة، مثل مكان قبر إلعزار بن أهرون في عورتا. نُحِرت الخراف ومُلّحت. أُعدّت ألوان كثيرة من الطعام، شتّى السلَطات، النبيذ والعرق بوفرة. فرح حقيقي حقًّا خيّم على المكان. آآآخ! أين هي تلك الأيّام الحلوة؟

أصوات الفرح والمرح، ضحكات النسوة، وصياح الفتية استدعت فتيان قرية عورتا وشبابها العنيف. تجمهروا بعشراتهم على أسوار موقع القبر، أخذوا يحدّقون بالنساء الجميلات وخصوصًا أولائك اليافويات. أخذوا بالغمز  البشع نحوهن، ولم ينقطعوا عن مضايقتهن واستفزازهن.

 

 تآمر

 

أخذ الجوّ بالتكهرب لحدّ إمكانية إلحاق الأذى بنا جميعًا بعراك الأيادي. في تلك الأيّام، عملت مراسلا للصحف العبرية في نابلس وساعي الصحيفة الإنكليزية Palestine Post واليوم Jerusalem Post. علمت أنّه إن لم أقم بشيء ما فإنّنا سنهلك. دعوت أحد الضيوف النابلسيين، بدون أن يلاحظ ذلك أحد، وسلّمته رسالة قصيرة ليوصلها على جناح السرعة إلى مكتب الشرطة في نابلس. استجاب ذلك النابلسي على الفور، ودّع المضيفين، استقلّ سيّارته وسافر إلى نابلس. كتبت للكولونيل پشچيرالد (Pichgerald) مدير الشرطة البريطانية:

عزيزي الكولونيل پشچيرالد،

نحن في خطر كبير، إن لم تنقذ حالًا الطائفة السامرية المسكينة، فسيقتلنا أهالي عورتا.

يعقوب بن عزّي

فلسطين پوست.

 

ربطتني علاقة صداقة وطيدة مع الكولونيل پشچيرالد الذي أحبّ السامريين كثيرا، وكنت واثقًا  من وصول المساعدة حالا في حال تسلّمه البطاقة.

 

الانقاذ

 

لقد نجحت المحاولة، بعد وقت قصير، رأيناه من أصعب الأوقات بالنسبة لنا كلّنا، كل الحضور، لأنّ قبضايات القرية بدأوا بضرب شبّاننا. سُمعت جيدًا أصوات سيّارات جيب الشرطة البريطانية المسرعة في أعالي التلّة، وعندها هرب عرب عورتا إلى قريتهم. الكولونيل پشچيرالد كان قد أرسل وحدة شرطية لتتمركز في مداخل القرية. وهكذا اعتقلت الشرطة كلّ الهاربين وأعادتهم إلى مكان القبر.

”من ضرب السامريين يعتقل في نابلس، أما الآخرون فعليهم جمع الحطب ونشل الماء لجميع المشتركين في الفرح طالما السامريون متواجدون هناك“، هذا كان أمر الكولونيل پشچيرالد لشيوخ ومختار قرية عورتا، الذين أُحضروا إلى المكان.

طلبتُ من الكولونيل أن يسرّح أهل القرية، لأنّنا نغفر لهم أعمالهم المتهوّرة المتسرّعة. استجاب الكولونيل، ولكنّه أصرّ على أن يقوم عشرة من أهالي القرية بخدمتنا كحطّابين وسقّائين، مثل الجبعونيين في عهد يوشع بن نون. [ּأنظر سفر يشوع بن نون الإصحاح العاشر].“

 

جامعة هلسنكي

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=13808