جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

طقوس – (مقطوعاتٌ قصار) – شِعر


أ. د. عبدالله بن أحمد الفَيْفي
24/07/2016

 

 

 

1

أَسْعِدْ صَباحَكِ، يا كأسَ النُّـهَى الـواري

مِـزاجُـها  وَلَــهٌ ،  والخَـمْـرُ  عَشْتـاري

أَيْقَظْتِ ما خَبَّـأَتْ  تحـتَ  الرَّمادِ  سِنِيـْـ

ــنيْ  المُمْحِـلاتُ ، وعـادَ الطِّـفْلُ للدَّارِ

فيكِ استَحمَّتْ حُروفـيْ كالحَمامِ  شَذًى

طَـارتْ على وَحْيِـهِ  لِلغَـيْبِ أَشعـاري!

2

ضَاقَـتِ الأَرْضُـوْنَ  عَنْ  أَنـْـفاسِـيْ

واستَـشاظَ الكَـوْنُ  مِنْ  وَسْـواسِـي

رُبَّـمـا  لَـمْ   يَــأْنِ  مـا  فـي  رُوْحِـي

أَجْـتَـوِيْـــهِ  ،   أو  حَــواهُ   راسِــي

فالْـتَـمِسْ فـي التُّرْبِ  رِيْشَ   الفَـنِّ!

وائْـتَـنِسْ  في  النَّاسِ  ذِئْبَ  النَّـاسِ!(*)

3

وَشَمْتُ  على صَـدْرِ  النُّجومِ قوافـيًا،

وزِرْيَابُ يُصْغِيْ. ذابَ صَدْرًا وقافِيَةْ!

ومـا الذَّهـَبُ الإِبْـرِيْـزُ  إلَّا  كنُـطْفَـةٍ

إلى بَحْرِ عِطْـرِيْ  والمـَعـازِفُ غافِـيَـةْ

هُـوَ  الشِّعْـرُ ، رَبٌّ للفُـنونِ  مُـتَـوَّجٌ؛

ولا  سِـرَّ  تُخفـيهِ  على الرَّبِّ  خافِيَـةْ!

4

يا ضَـبابَ  الرُّوْحِ ، يا  شَيْخَ  الضَّبابْ

فيكَ شَمسُ الكَوْنِ عَيني في الوُجُـودْ!

نَـشْـوَةٌ  تَهمـي على الأرضِ الـيَـبـابْ

مِنْ سَحـابِ القَلْبِ هَدَّتْهـا  الرُّعُـودْ!

فَلْسَفَـتْ  فَجـرَ المعـانـي  في  كِـتـابْ

وانْـبَرَتْ   تُـمْلِـيْ  مَبانِيهـا  الشُّهُـودْ!

عِـيْـدُها أَشْهَـى مِنَ الغِـيْـدِ الكِعَابْ

عَـنْـقَـدَتْ عِطْرَ الأَغانِـي في الوُرُوْدْ!

5

شَفتاكِ خارِطَـةُ الطَّرِيْقِ  لمَوْطِـنِيْ

هاتيْ حليبَ الحُلْمِ   مِنْ  شَفتَيكِ!

تَنثالُ في رَمليْ  عَـبِـيْـرًا ،  تَرْتَـوِي

مِنْ  أَخمصَيكِ  مَرابِعِي  ويَدَيْـكِ!

لو صَلَّتِ الصُّمُّ الصِّلابُ لِشَادِنٍ،

لجَـثا  الجِبالُ الشَّامخـاتُ  لَدَيْـكِ!

 

 

 

6

يا وَرْدَةَ  المَطَرِ الشَّذِيِّ ، سَـلِيْ الهَوَى

لِيُجيبَ  عَنْ لَيـْـلِ الشِّـتاءِ  بصَيْـفِهِ

لِـيُعِـيْـدَ أفـيـاءَ (الرُّصافةِ)  للمَهـا

ويَحُـوْطَ أطرافَ (العِـراقِ)  بسَيْفِـهِ

خُطُواتُـكِ  الأُولَى  بِكَوْكَبِ  فُلْكِـهِ

رَسَمَتْ  حُدُوْدَ  نُضَـارِهِ   مِنْ زَيْفـهِ!

7

الامـتِـلاءُ   والفَـراغُ    والـجَـوَى

وداخِلٌ يُغْـوِي  الطُّـيُورَ  خَارِجَـهْ

جِسْـرٌ مِنَ الدُّخَانِ والدُّجَى  رَوَى

وأَعْـيُنٌ  على  الرَّحِـيْـلِ  مـائِـجَـةْ

لا تسألي المعنَى عَنِ المعـنَى انهَـوَى

ولْتَسألي كَمْ  في الحُروفِ خالِـجَهْ؟

8

فِطْـرٌ  كفِطْرِ  الأرضِ  يَنْـبَثِـقُ

والقَـلبُ  مِنْهِ القَـلبُ يَنطلِـقُ

 

غَـنـَّى  على اسمِ اللهِ  أُغـنـيـةً

مِنْهـا سَـماءُ  العِطْـرِ تَـنْـدَفِـقُ

إِذْ يهطِـلُ العِـيْدُ  الشَّهِـيُّ على

مَوْجِ العُيونِ  فتُوْرِقُ الحَـدَقُ!

9

فِطْـرٌ مِنَ اللهِ ، لا فِطْـرًا  سِـواهُ  غَـدا

عِـيْدًا نمـيرًا، عـبيرًا، وارفًـا، غَـرِدا!  

رَفَّتْ قُلوبُ الثَّـرَى في فَجْـرِهِ  طَـرَبًا

اللهُ   أَنْشَرَهـا   والمُصْطَـفَـى  شَـهِـدا       

لا عـادَ  أعداءَها عِـيْـدٌ ، ولا لَبِسَتْ  

ثَوْبَ السَّماواتِ يَكْسُوْ أَرْضَهَا أَبَـدا!

العِيْـدُ  نَصْـرٌ مِنَ اللهِ العَزيزِ  ،  ومَـنْ     

كـاللهِ  مُنْـتَـصِرًا؟   تـاللهِ  لا أَحَــدا!     

10

حَـبيبتي  في  مَـوْجِ  وَردِها  الأُنـو

ثـيِّ  تُحَـضِّرُ  السِّـباعَ  الضَّـارِيـَـةْ

فـصَخْرُ شامِـخٍ  هَوَى يَهُـلُّ غَيْــ

ـــمَةً، ودِيْـمَـةُ السَّـراةِ  سَـارِيَـةْ

حَـضـارةٌ   بـمـائـها    ونـارِهــا

تَسْقِيْ الثَّرَى حَليبَ  سَاقٍ عارِيَةْ!

11

يـا زَهْـرَةَ   الأُورْكِــيْــدَا    

(شَـامُ)  الـشَّـذَا   أَهْـداكِ

اسْـقِـيْ  اليَـتامَى  العِـيْدا        

يَـرْتَـفُّ  مِـنْ  يُـمْــنَــاكِ

وارْوِيْ  القُلُـوْبَ البِـيْـدا    

مِـنْ  عِـطْــرِ  مَـنْ  رَوَّاكِ

ضُـمِّي  العُيُـوْنَ  الـسُّوْدَا         

بـالحُـبِّ   فـي مَـغْـنَــاكِ

هَنِّـيْ  الشُّعُـوْبَ الصِّيْـدَا          

بـالـنَّـصْـرِ فـي  مَعْـنَـاكِ

عُـوْدِيْ   لِـعَــادٍ   هـُـوْدَا             

كَـمْ  يَـسْرِقُوْنَ  سَـمَـاكِ!

سُـبـحانَ   مَـنْ   أَوْحَـاكِ

يـا زَهْـرَةَ   الأُورْكِــيْـدَا!

 

 

12

طُهْرِيْ التي وَلَدَتْ مدايَ مَدينةً،

مِنْ عِطْـرِها تَـتَـفَرْدَسُ البَـيْداءُ!

فإذا  تناهَى بِـيْ  لعَصْفِ  عَبيرِها

غَـيْمُ  الغَرامِ  تَسـاوتِ  الأشـياءُ

لا شيءَ  إلَّاها   يَضُمُّ  مَواجِـدِي

ويُعِـيْدُ  رَسْمَ  خَـرائطي ويَـشاءُ

هِيَ  لا سِواها  تَسْـتَـبِدُّ  بأَمرِهـا

والكَـوْنُ وَهْـمٌ  دُوْنَهـا وهَـبَـاءُ!

13

وإغمـاءةٍ  فاضتْ  حـريرًا ، تحـرَّرتْ

بها  الآنُ  مِنْ  إِغماءةِ  الرُّوحِ  والجَـسَدْ

وهَبْتِ بها السَّاعاتِ ما ليس في النَّدَى

ولا  في زُهـورِ الـنَّارِ منهُ مَـدَى الأَبَـدْ

صَهَرْتِ رِمالَ الوقتِ شَمسًا بساعتي

وأَسقـيتِ منها والـدَ الجَمْـرِ ما  وَلَـدْ

حَنانَيكِ ، هذِي مُهجتي ، فاشْرَبي  بِها

زماني، وهاتي مِنْ  زَمـانَيكِ  ما اتَّقَـدْ!

14

«ومِنْ نَكـدِ الدُّنيا  على الحُـرِّ  أنْ  يَـرَى

عَـدُوًّا   لَـهُ  ما  مِـنْ» ..   بُـنُـوَّتِـهِ  بُـدُّ

عَـرَفْـتُ  المَـودَّاتِ  انـتِـعـالًا  لِطِـيَّـةٍ،

وكَـائِـنْ  تَـرَى  وُدًّا   وفي   طَـيِّـهِ  الإِدُّ

بَـعيدةَ  مهوَى النَّابِ  في  الناسِ.   إِنَّـما

عَـداوةُ   ذاتِ  القُرْبِ  ما  بَعْدَها  بُعْـدُ

وما هـانَ  في الدُّنيا شَـريفٌ كمَنْ غَـدَا

يُعَـوِّلُ  في  الحاجـاتِ  والمُرتجَـى وَغْـدُ

فعِشْ واحدًا، فَرْدًا، قَصِيًّا  عَنِ الوَرَى،

إلى أنْ  يجـيءَ اللهَ  في  المَحْـشَـرِ الفَـرْدُ!

15

سِـرٌّ ،  سَرِيْـرٌ ، سُرُوْرٌ ، سُرَّةٌ   فَـهَقَـتْ

مِنَ  النَّـبِـيْـذِ ، وعَـرْشٌ راعِـشٌ شَـبِقُ!

أَبْحَـرْتُ  فيـهِ بِحِـبْريْ ، يَنْـتَشِـيْ ولَـهُ

رَيَّـا  النُّـهُوْدِ  وضَـوْءٌ  هَجْسُـهُ  عَـبِـقُ!

في وَصْـلِ شامِـيَّـةِ  الأَردانِ  إذْ  خَطَرَتْ

مَـعَ  المسـاءِ  مَـلاكًـا  والمَـدَى  حَـدَقُ!

 

حَدَّقْتُ في صَوْتِها. مِنْ  أَيْنَ يا قَـدَرِيْ؟

صِرْفًا  سَقَـتْنِيْ  وكَـأْسُ العُمْـرِ  يَأْتلِـقُ

والتَـفَّتِ  السَّاقُ بالسَّـاقِ. أَ تَلْثُـمُـنِيْ؟

ثَـغْرِيْ اشْـتِهاءُ  الذي يَسْتَكْنِـهُ الشَفَـقُ

بِـدايَــةً  نُـعِـيَـتْ ،  نِهـايـَـةً  يَـنَـعَـتْ،

ما لِـيْ  وَثِقْتُ؟ ومَنْ في سارِقٍ يَـثِـقُ؟!

هِـيَ  الحـياةُ : بَـرِيْـقٌ  راقَ مُـنْبـَـجِـسًا

فـي الصَّدْرِ آنـًا ، وآنـًا مُـوْحِـشٌ نَـزِقُ

لا  تَـأْمَـنَّـنَّ   صَـباحـًا  رَفَّ مُـؤْتَـلِـقًـا

عُـقْـباهُ  طـارِقُ  لَـيْـلٍ ، فَـجْـرُهُ  أَلِــقُ 

مِن ذا  وذا  رَعَفَتْ  عُصْفُوْرَتِـيْ غَـدَها

واسْتَنْشَقَ الشَّرْقُ شَمْـسًا غَرْبُهـا شَـرِقُ!

 

(*) في هذه القِطعة (ذات الرقم 2) جَرَتْ عِلَّة (التشعيث)، وهي إسقاط أوّل الوتد المجموع من (فاعلن)، التي أصلها قبل عِلَّة (الحذف): (فاعلاتن)، فصارت (فاعلْ).  وهي عِلَّة تجري مجرى الزِّحاف في عدم اللزوم في البحر (الخفيف) و(المجتثّ) و(المتدارك).  ولم أقف على ورودها في (الرَّمَل)، الذي عليه هذه الأبيات.

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=13474