جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

جو كوكس.. اقتلاع الزهرة


د. أحمد الخميسي
24/06/2016

 

 

في يوم الخميس 16 يونيو تم اغتيال النائبة البريطانية "زيلين جويل" التي اشتهرت باسم"جو كوكس" أثناء توجّهها لاجتماع بناخبيها في شمال انجلترا. وأشارت معظم التقارير إلى أن القاتل هو "توماس مور" البالغ من العمر 52 سنة وأنه كان ينتظرها حسب شهود من مقهى مجاور وأطلق النار عليها مرة وأخرى فسقطت على الأرض فانحنى وأطلق النار مرة ثالثة في وجهها. وأضافت بعض المصادر أن القاتل هتف أثناء ذلك: "بريطانيا أولا". واتّفق معظم المحلّلين على أن الجريمة وقعت في سياق الاستفتاء بشأن بقاء بريطانيا من عدمه في الاتحاد الأوروبي، بهدف تلقين أنصار الاتحاد الأوروبي، وكانت "كوكس" في مقدمتهم، درساً عنيفاً. ولتأكيد ذلك التفسير يضيفون أن "توماس مور" على صلة وثيقة مع النازيين الأوربيين الجدد دعاة سيادة العرق الأبيض والأمم البيضاء، وإذا صح ذلك لكان الدافع الحقيقي للقاتل هو مواقف "كوكس" المؤيدة للمهاجرين والأقليات، والقضايا العربية، هو الدافع للاغتيال، وليس– كما يراد لنا أن نفهم- بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من عدمه.

 

أما قصة تأييدها للاتحاد الأوروبي فليست سوى غطاء للتمويه على أصحاب المصلحة في اسكات "جو كوكس" وإسرائيل في مقدمتهم.

كانت "كوكس"، التي فارقت عالمنا عن اثنين وأربعين عاما تاركة خلفها طفلين، معروفة بتعاطفها مع قضايا المهجّرين داخل بريطانيا، وقد أشادت بدور الهجرة في تحسين أوضاع البلاد في أول خطاب لها في مجلس العموم بعد انتخابها في مايو 2015، وكانت أيضا تترأس لجنة البرلمانيين من "أجل سوريا"، وعضوة في مجموعة "أصدقاء فلسطين" البرلمانية، ووقفت تدعم بحزم حركة مقاطعة إسرائيل، ونادت طويلا برفع الحصار عن غزة، ودعت وطالبت بالتعدّد القومي والعرقي والثقافي، وعلاوة على كل ذلك كانت من أنصار بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. فهل ترك القَتَلة مجمل أسباب القتل وتوقّفوا فقط عند مسألة موقف "كوكس" من الاتحاد؟! أم أنهم صوّبوا رصاصهم إلى كل مواقف "جو كوكس" تحت غطاء آخر للتمويه على الجهة الحقيقية التي وقفت وراء الاغتيال لأسباب غير الاتحاد الأوروبي؟.

أعتقد أن اغتيال "كوكس" سيبقى غامضا مثل اغتيالات سياسية كثيرة لم تفضح بعد حقيقة الفاعل فيها، من أشهرها اغتيال جون كيندي عام 1963 أثناء مرور موكبه في مدينة دالاس، ثم مقتل المتهم باغتياله بعدها بيومين! ومازالت الجهة الحقيقية الفاعلة مجهولة رغم انقضاء نصف قرن! ومازال الغموض يحيط باغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو في 2007، كما مازال موت الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004 محاطا بالغموض، رغم اعلان الخبراء في باريس بعد وفاته بست سنوات عن اكتشاف آثار مادة البوونيوم المشعة على ملابسه.

لقد اقتلعت البربريةُ زهرةً غالية من حديقة البشر، هي النائبة "جو كوكس" التي ولدت عام 1974 بشمال بريطانيا ثم أنهت تعليمها في كامبريدج عام 1995، وساهمت بنشاط في أعمال الجمعيات الانسانية مثل منظمات إنقاذ الأطفال في مناطق النزاع، وفي منظمة "أكسفام" الخيرية، ثم انتخبت إلي البرلمان العام الماضي. قالت الصحفية "لورا كينسبيرج" تنعيها: "كانت جو نجمة، مشعة، شجاعة ومرحة". ونعاها رئيس الوزراء البريطاني بقوله "فقدنا روحا مشبعة بالرِّقّة والرحمة". نسبت إليها مصادرُ كثيرة قولها: "ارجعوا إلى التاريخ جيدا.. لا توجد اسرائيل، توجد فقط فلسطين"، ومن أقوالها المسجلة في البرلمان: "في بعض الأحيان كل ما يلزم الأشرار لكي ينتصروا هو صمت الناس الطيبين".

لقد اقتلعت البربريةُ زهرةً أخرى، لكن روح "كوكس" تواصل نموها مع زهور كثيرة في حديقة لا حدود لها تضم كل أصحاب الضمائر الحية.     

أحمد الخميسي. كاتب مصري

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=13400