جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

ثمانية وستّون


جوزف أبي ضاهر
26/01/2016

 

 

 

ثمانية وستّون عمر طفولتي.

مختصرة أقولها.

بلا خوف وندم، ولا كلمة «لو».

لم أتعب من اللعب بكلّ ما وصلت إليه يدي.

لا تنظروا إلى أصابعي:

مثل قوس غمام ملوّن هي، وبين كلِّ إصبع وإصبع بقايا حروف وكلمات لا تريد أن ترتاح فوق بياض الورق، ولا حتّى في محبرة.

وبين كلّ حرف وكلمة أكثر من علامة تعجّب.

***

لا تنظروا إلى شفتيّ:

حبيبتي عدّت كم زيح في الشفة العليا، وابتَعدتُ كي لا تعدّ كم زيح في الشفة السفلى.

في هذه الشفة بقايا تمتمات وقُبل وإغراءات حكايا ليست كلّها صحيحة.

لا، إنني أعترف، ولا حكايا خُتمت بما يسمّونه زورًا «خطيئة مميتة».

المميت هو أن لا تكون الخاتمة بما هي عليه.

***

لا تنظروا إلى عينيّ:

الزَوغ فيهما لا يهدأ، لا يستقرّ، ولا يد لي في أمرهما، ولو عجبًا.

كم من المرّات والمرّات اضطُررتُ (صدّقوا) أن لا ألحق بهما، وما استطعت... ورضيت قناعةً. رضيت بما قُسِمَ لي بهما، ومعهما، وما غفوت إلاّ على حُلم ما سيكونانه في الغد:

أين؟ ومع مَن. لست أدري.

***

لا تنظروا إلى جَبهتي:

تمنّيتها مرآة، وما كانت، ولو كانت لكُسرت، ألف مرّة ومرّة.

أعترف أنها علامة فارقة في هويّتي غير المعترف بها «رسميًّا».

***

لا تنظروا إلى شَعري:

إحدى أمنياتي كانت أن يصبح كما صار، لقناعة منّي تقنعكم بأن طفولتي مرّت بتجارب كثيرة «شيّبتني»، وما تِبتُ عنها، ولن...

***

لا تنظروا إلى جسدي:

كلّ ما يُرى، وما لا يُرى، لم يعرف للراحة طعمًا. أليس الهوج والزوغ أجمل ما في الطفولة وأحلاها، وأكثرها صدقًا وعفوية، وعيشًا يتشكّل من الحركة والكلمة واللون والنبض وما تحفل الحياة بمثلهم.

***

لا تنظروا إلى ثيابي:

هي مما تركته الشمس في الحقول، ولم تستأثر به لنفسها، وما سقط من أصوات العصافير وريشهم، وما غفل النحل عن قطافه، وما لم يُسرق لبعده عن الأيدي في كروم العنب والخوخ والرمان وتفاحة حمراء ما زال نصفها في جيبي، ولم آكلها إلاّ تلمّذًا.

***

ثمانية وستون عمر طفولتي:

صدّقوا وغضّوا طرفًا.

الطفولة لا تُعامل بقسوة ـ تقول التربية الحديثة ـ بل بتفهمّ، ونحن في القرن الأوّل بعد العشرين، نتهجّي العمر والزمان وما يليق بنا لنظلّ أطفالاً.

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=12965