جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

مهرجان بيبلوس الدولي


ميشلين حبيب
18/08/2015

 

 

تحتضن بيبلوس أو جبيل المتّكئة على صدر الأبيض المتوسط مهرجاناً دولياً موسيقياً فنياً راقياً تعبّر فيه كل عام عن حبها للخالق ولأهلها وللبنان. وتنجح إدارة مهرجان بيبلوس في كل سنة في المحافظة على الهوية الخاصة بهذا المهرجان الذي يثبت مرة بعد الأخرى أنه ذات مستوى عالٍ من الثقافة والرقي في اختياره للفنانين والموسيقيين العالميين اللبنانيين والغربيين الذين يشاركون فيه مما جعل منافسته صعبة في زحمة المهرجانات الصيفية في لبنان؛ أضف إلى ذلك، التنظيم الجيد الذي يتمتع به واحترامه للجمهور دون أن ننسى سحر المكان بحد ذاته، كما أنه يحرص على استقطاب جميع الفئات العمرية والأذواق الكلاسيكية والعصرية لكن الراقية دائماً. لهذا السبب ينتظره أهل المدينة ويقصده المغتربون كما هي الحال بالنسبة لكافة اللبنانيين الذين يأتون من مناطق مختلفة ليتمتعوا بسحر بيبلوس التاريخية وسحر الفن الراقي والموسيقى العاشقة للروح والحب في مهرجانها.

كان لمحبي الجاز والسول والبلوز فرصة رائعة هذا العام للاستمتاع بهذا النوع من الموسيقى إذ استضاف المهرجان الموسيقيّ والمغنيّ الأميركي غريغوري بورتر الحائز على جائزة "الغرامي" والذي يعتبر من أهم أصوات هذا العصر. صانع موسيقى بامتياز تتحرك فيه الموسيقى فيُخرجها حوارا مع الجمهور والآلات والعازفين. هو صادق رائع وعظيم بأدائه وغنائه وتعاطيه مع الموسيقى ومع فرقته وبتفاعله مع الجمهور. يعشق الموسيقى، يريد أن يكون معها وأن يخدمها لذا هو يغني. هو وفرقته المؤلفة من خمسة عازفين يحاورون موسيقى الجاز والبلوز والسول ويفهمونها كأنهم عاشوا في العصر الذي ولدت وتألقت فيه وليس في القرن الواحد والعشرين. يعيدنا بورتر وفرقته إلى زمن موسيقى الجاز الجميلة الحقيقية الأصيلة التي تستقطب ذائقة فنية راقية ومحترفة ذات جمالية عالية.

ومن الجميل والمهم معاً أن يتيح المهرجان لمحبي هذا النوع من الموسيقى ولمحبي الموسيقى بشكل عام فرصة المشاركة في لحظات فنان مثله والمشاركة بذلك الشغف العميق الصامت الصاخب. صامت بعمق موسيقاه وجمالها وصاخب بقوة صوته وأهميته. شعرت وكأنني عدت في الزمن إلى مكان يغني فيه لويس أرمسترونغ ونات كينغ كول.عندما توقف وحيّا الجمهور تمنينا لو أن الزمن توقف لنبقى في أجواء صوته وموسيقاه.

 

ولم ينس المهرجان الجيل المخضرم وذلك الأكبر سناً فاستضاف أسطورة فنية فرنسية كبرت الأحلام على رومانسية صوتها وجماله. ميراي ماتيو أتت لتلهب ذكريات وقلوب وتشعل حب المراهقة والشباب من جديد وتعرّف الجيل الجديد على صوت أحبه أهلهم وعاشوا قصص حب على أنغامه. ما زالت تحتفظ بقوة صوتها وجماله حيث الموسيقى ترافق صوتها وليس العكس. أطلت بفستان أسود بسيط  وباحترام كبير، احترام لتاريخها وللمهرجان ولبيبلوس وللجمهور الذي أبدى إعجاباً وحباً كبيرين لأسطورة شبابهم ورومانسياتهم. كل من كبر على أغانيها وسحر صوتها ورومانسيته أتى تلك الليلة ليعيد ذكريات شباب وأيام وحب وكما قال لي البعض منهم ربما لن يتسنّ لنا حضور حفل لها مجدداً وأنها أسطورة وكان البعض يتكلم عنها بحنين وغصّة.

أظهر الجمهور اللبناني مدى إعجابه وحبه لهذه الأسطورة الفنية فقد غصّت المدرّجات بالناس التي كان لوجود السيدات فيها الحظ الأوفر. تلّقت باقات ورود أكثر من مرة ورفع الكثير من الموجودين العلم اللبناني الذي أبدت إعجابها به. وبدا الحنين والتأثر واضحين على وجوه الأشخاص بعد انتهاء الحفل.

وفاجأت ماتيو الجمهور بإحضار والدتها على خشبة المسرح فوقف احتراماً وصفق محييّاً. وتأثرت ميراي ماتيو برد فعل الجمهور وودّعت والدتها بأحبك أمي وعادت لتغني Pardonne-moi ce caprice d’enfant فارتفع التصفيق وانطلقت الحناجر ترافقها بالغناء عندها تفاعلت جداً مع الجمهور وفهمت حبهم لها فأعادت الأغنية ثلاث مرات مصرّة أن يشاركها الجمهور الغناء. وبعد ذلك أشعلت المسرح فغنّت بالإنكليزية والصينية والإسبانية والايطالية والألمانية. ثم عادت "بالروب" بعد انتهاء الحفل الذي استمر نحو ساعتين لتنشد مجدداً Pardonne-moi ce caprice d’enfant إكراماً للجمهور الواسع الذي أظهر لها محبة وإعجاباً أثّرا بها جداً.

 

يشعرنا مهرجان بيبلوس الدولي وكأنه ناد فنيّ راق مميز نقصده لأننا لا نجد مكاناً غيره لنروي عطشنا لفن، لموسيقى، لغناء، لعزف، لشعر، لروعة واحدة في مكان رائع واحد، بيبلوس. ولم تنته الدهشة بعد إذ ما زلنا على موعد مع العروض المتبقية من المهرجان في شهر آب والتي لا شك ستزيدنا روعة مع هبة طوجي والسوبرانو سمر سلامة والفرقة البريطانية ALT J.

 

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=12529