جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

قراءة في كتاب الدكتاتور


ميشلين حبيب
12/04/2014

 

 

 

كما عوّدتنا دار الساقي على نشر الأفضل والغير تقليدي، هكذا فعلت مجدداً الأسبوع الماضي مع كتاب جديد بعنوان الدكتاتور وهو مترجم من الفنلندية. تأتي هذه الترجمة ضمن التبادل الفنلندي الأدبي بدعم من مؤسسة فيلي. الدكتاتور من تأليف أولف ستارك، الرسومات لليندا بوندستام والترجمة لمارية باكلا وسامبسا بيلتونينز.

 

في الظاهر، الدكتاتور كتابٌ موجه للناشئة، لكنه كتابٌ سياسيٌّ بامتياز وذكيٌّ بامتيازٍ أكبر يخفي حقيقة ساخرة ونقداً لاذعاً استعمل الكاتب فيه صورة الطفل المستبدّ المدلّل والأناني ليعكس صورة الدكتاتور الراشد. كل كلمة وكل جملة فيه محمّلة بالسخرية والرمزية. في المفهوم العلمي السيكولوجي الدكتاتور هو شخص أناني، مريض وغير ناضج يملك قوة وسلطة تمكنه من التحكم بالناس، وفي الكتاب هو ولدٌ غير ناضج يتحكّم بالناس من حوله: السائقة هي الحاضنة، الخدم هم المعلمات، ووزارة الشباب هي الروضة أو الحضانة. في الصفحة 8 عندما يحلم، يحلم أنه محور الكون. وفي الصفحة 16 في الروضة: وزارة الشباب، نرى مزاجية الدكتاتور الذي يرضى يوما ويقتل في يوم آخر. نجد رمزية أخرى في الصفحة 29: كتابة الاسم. لا يكتب إسمه وإنما يكتب أنا "بخط هائج مثل أمواج البحر".

وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب يقرر الدكتاتور الصغير أن يصبح قرداً.

يبين لنا الكاتب شخصية الدكتاتور المريضة التي تكبر لتفرض مرضها على الناس والواضح من الرسمات أن الكاتب يقصد الدكتاتور السياسي ولكن من الممكن أن يكون استعمل أيضاً صورة الدكتاتور السياسي ليدل على الدكتاتور الاجتماعي. الدكتاتور في الرسمات طفل يرتدي لباساً أخضر داكن يشبه اللباس العسكري ويضع قبعة عسكرية على رأسه. وهو ولد صغير يظهر بشاربين في عدة رسومات  ومن دون شاربين في رسومات أخرى ما يعكس براعة وسخرية وذكاء الكاتب والرسّامة.

هناك تعاونٌ وتمازجٌ وانسجامٌ بين النص والرسومات يعطي القارئ صورة عن الحاكم المستبد بشكل مبسّط من خلال طفلِ روضةٍ وما لا يقوله النصّ تقوله الرسمات التي تتميز بفن عال حيث استعملت الرسّامة بالإضافة الى الرسومات ذات الخطوط البسيطة الcollage مما أضفى على الكتاب لمسة فنية جميلة ولمسة واقعية تخدم هدف الكتاب الأساسي. الكتاب يخبر عن نفسه برسوماته ونصه وإخراجه، ممتع للفكر والنظر وعظيم ببساطته المكثفة التي تخلق لدى القارئ زخما فكرياً.

 بتوجيهه الكتاب إلى الناشئة ربما هدف الكاتب إلى خلق ناشئة ذكية مفكّرة لا تنصاع لدكتاتور حرص هو أن يُظهر سخافته وضعفه. أو على الأرجح هو رسالة إلى المجتمع، أليس هذا الطفل هو نفسه الذي يكبر ويتحكم بالناس؟

 

ينبغي على الجميع أن يهابوا الدكتاتور!

الجميع دون استثناء!

ينبغي على الجميع أن يتملّقوا الدكتاتور!

الجميع دون استثناء!

ينبغي على الجميع أن يمجّدوا الدكتاتور!

الجميع دون استثناء!

*

عندما يكون الدكتاتور صغيراً جداً قد يشعر

بالوحدة الشديدة لأنه لا يستطيع أن يأمر

 شخصاً بأن يكون صديقاً له.

 

تلخّص هذه القطعة الكتاب كله الذي فيه يأمر الدكتاتور كل شيء وكل أحد والكل ينصاع لأوامره لكنه بالرغم من ذلك لم يستطع الحصول على صديق. كما يظهر هنا فإن الكاتب يتطرّق إلى العمق النفسي والسيكولوجي لشخصية الدكتاتور الذي يكبر ليتحكم بالناس الذين يرفضون بطبيعتهم الاستبداد والاستعباد فيتمرّدون عندما يكون صغيراً، لكن هذه الشخصية المريضة عندما تكبر تلجأ إلى القوة والقتل للحصول على أصدقاء والأصح على أتباع خاضعين.

للكتاب أبعاد كثيرة تربوية، سيكولوجية، واجتماعية، كلها تؤدي إلى المشاكل السياسية؛ هي مرتبطة ببعضها البعض ونتائج الواحدة تؤثر على الأخرى وفي النهاية تجتمع كلها لتؤثر على مجتمع وبلد وشعب بكامله.

 

من هنا لا يمكن إلا أن نفهم أن محور الكتاب الأساسي والخفي هو لوم المجتمع (الروضة، الوالدين، المدرسة، الناس) الذي يربّي دكتاتوراً صغيراً ويخضع له عندما يصبح كبيراً.

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=10812