جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

بابا فرنسيس، أنعِشِ الكنيسة!


إيلي مارون خليل
27/04/2013

 

       إطلالتُك الأولى! محبّةٌ تَجسّدت!       بَدَونا ننتظرُك، وبدوتَ آتيًا

إلينا بالوعي كلِّه، مملوئين فراغًا وخوفًا ويأسًا وتَشَرُّدًا؛ وممتلئًا بالثّقة والشّجاعة والثّبات والرّجاء! ممتلئين حزنًا؛ ومملوءًا نِعَمًا!

       كنّا في نار انتظارِك، نرنو إليك ولا نعرفُك! نهتف باسم الفقراء والمسحوقين والمرذولين، وعيونُنا إليك، وقلبُنا معك، ورجاؤنا فيك! طويلا جدًّا اِنتظرناك. كان اِنتظارُنا مجيئك، أطول من ليلنا. بدا اِنتظارُنا مجيئك، أشدَّ قلَقًا من وحيدٍ هائم في صحراء.

       وجئتَ!

       في الوقتِ القاتلِ، جئتَ. وجئتَ في الزّمن المناسِب. في الوقت المستقطَع، جئتَ. وجئت في الزّمن الأسود.

       وقتُنا، هذا، قاتِلٌ. نحن مقتولون إيمانًا وعزّةً وكرامة. لا نُظهِره، إيمانُنا، فنتساءلُ، مأكولين خوفًا إلى حَدِّ الرُّعب: هل نحن، حقًّا، مؤمنون!؟ ما حدُّه، هذا الإيمانُ؟ ما نوعُه؟ ما صفاتُه؟ ما غايتُه، والرّجاء؟

لِمَ ليس راسخًا فينا، يُقَوّينا، يُسعِدُنا، يخلقُ أمامنا الآفاقَ الأكثرَ وَساعةً؟ اَلإيمانُ، أساسًا، يَشُدُّ العزمَ، يُعطي الثّقة، يمنح الرّجاءَ، منه تنبثِقُ أقاليمُ السّعادةِ، وأدغالُ الأشواق، فأينه فينا!؟     

       وفي الزّمن المناسِبِ جئتَ. في "عِزِّ الحَشْرةِ" إليك. فنحنُ، مسيحيّي لبنان والشّرق، نُهَنِّئُنا بك. جذبتَ زمانَنا من بؤسِه ويباسِه، إلى بأسِه وحيويّتِه. معك، مذ إطلالتِك الأولى، وكانت مشرقةً مُنيرةً، كطلّة الأنبياء، بدأنا مسيرةً إنجيليّةً نحو الخلاصِ، خلاصِنا وخلاصِ الأممِ كلِّها. لا تُخَلِّصُ أُمّةً وحدها، أنت؛ أنت للجميع، في أيّ مكان، أيّ زمان.

       وفي الوقتِ المستقطَع جئتَ. وقتُنا، هذا، مَبتورٌ، ناقص. لا هو حاضرٌ حقيقيٌّ واعٍ، مدرِكٌ، مخطِّطٌ، ولا مستقبلٌ حقيقيٌّ ثابتٌ، راسِخٌ، أكيد، ولا هو ماضٍ منه نغرفُ، نستوحي، نستفيد. إنّه زمانُ "اللاّزمان". عصاكَ الخشبيّة، ستبني لنا زمانًا مميَّزًا ومميِّزًا. صليبُك النّحاسيُّ، سيقهرُ أصنامَ هذا الزّمان. حذاؤك البسيطُ، المُشَقَّق، العتيقُ، سيُعبِّدُ لنا الطّريقَ إلى حيثُ البَقاء.

       كما جئتَ في الزّمن الأسود. بثوبك الأبيضِ النّاصِعِ، ستُضيءُ عوالمَ نفوسِنا، أرواحِنا، والأحلام، قبل إنارتِك عينَي الجسد، فينا، والمادّة والطّمَع. كلُّنا إليك، كلُّنا، لا ينقصُ أحدٌ، لا يتباطأ أحدٌ، لا ينشغِلُ أحدٌ، لا يرفضُ أحدٌ. لاسقيمٌ ولا سليم؛ لا فقيرٌ ولا... لا! اَلغنيُّ الممتلىءُ تَكَبُّرَ مالٍ، قد لا يتواجد معنا. مالُه يُثقِلُ عليه. كبرياؤه تُغرِقُه في تفاهتِه. شهواتُه تُعمي بصرَه، فلا بصيرةَ له. ستقلبُ زمنَنا الأسودَ، هذا، إلى زمنَ الفرحِ والأملِ والسّعادةِ والرّجاء.

       بابا فرنسيس!

       وعلى غِرارِ سَميِّكَ بَدَوت. تواضُعُك بك ارتفع. فَقرُك مِثالُ الغنى. بساطتُك طريقُ قداستِك، ومعك وعَبرَك، نتقدّس. اِنفِتاحُك أدخلَك العُقول. سلامُ نفسِك أكْسبَك القلوب. فها أنتَ واحدٌ منّا، بيننا تُقيم، معك نُقيم حوارًا دائمًا، إليك نتوق، إيّاك نتشفّع.أنت جعلتنا ذوي دالّةٍ عليك. تقرّبتَ فقرّبتنا. أحببتَنا فأحببناك. تنازلتَ فرفعتَنا. مددتَ إلينا اليدَ، صافحتْكَ، منّا، القلوب.

       أمّا الآن، بابا فرنسيس! اَلآن، وقد "راحت السَّكرة وإجِت الفَكرة"! ماذ بعد الآن!؟

       إحذرْ، بعد الآن. قد يحاولون تطويقَك، فتفقد حرّيّتَك المشرِقة. قد يحاولون تدجينك، فتفقد ريادتَك. قد يحاولون التّقَرُّبَ، فتفقد حياديّتَك. قد يحاولون الإغراءات، التّلميحات، التّهديدات... فتفقد ذاتك، تعود لا تعرف نفسَك، فتفقد كنيستَك! ما لهذا جئتَ، أنت!

       أحببناك لأنّك "بابا"، وتحديدًا لأنّك "بابا الفقراء"، بل بابا "الثّورة" الّتي ستنشبُ في الكنيسة، وستغيّرُ ما يتّضح واجبُ تغييرِه. وستقوّم ما يقتضي تقويمُه. وستُنشئ ما يُفتَرَضُ إنشاؤه. لا في "الفاتيكان" وحسب، إنّما في العالم كلِّه: شرقًا وغربًا، شمالا وجنوبًا. ولعلّنا، نحن في الشّرق، الألَحّ ضرورة للعمل، التّشجيع، التّصويب... فقد باتت كنيستُنا، إجمالا، كنيسة مظاهر ووجاهات وزعامات وغنى وترف حتّى البَطَر؛ وبدت، إلاّ مع القلّة النّادرة من بعض رجال الدّين، كنيسة الخلاص، خلاصِ النّفس والجسد. رجالُ الدّين الصّالحون هؤلاء، هم مَن يجعلون أبواب معابدِنا مُشْرَعة أمام بقيّةِ المؤمنين. هم مَن أبقى عليهم، هؤلاء المؤمنون. وها إنّك قد بدأت. تخلّيتَ عن مظاهرَ كثيرة، وزرتَ السّجون، وأقمتَ فيها "الذّبيحة" الإلهيّة، وهذا "فَتْحٌ" جديد؛ وقد كان واجبًا! "كنتُ سجينًا فزرتموني، وكنتُ جائعًا... وكنتُ عطْشانًا..." رائعة هذه البداية، وإن بدت "صادمة" لكثيرين! ننتظر التّتمّة. وإنّك لَمُقدِمٌ!

       "بابا" فرنسيس!

       أعتقدُ بأنّ غالبِ "رجال" الدّين، عندنا، يلزمُهم "إعادةُ تأهيل". فليقرأوا الإنجيل مجدَّدًا. لقد نسوه. ولْيقرأوا رسائل مار يعقوب. وأعمالَ الرُّسُل. و"العهدَ الجديدَ" كلَّه. علّهم يُعيدون اكتشاف يسوع!

       "عينك عْلينا"، بابا فرنسيس، فنحن في أمَسّ الحاجة إلى فقرِك الغنيّ، إلى تواضعِك الشّامخ، إلى بَساطتِك السّامية، إلى انفتاحك الخصب... إلى عناية حقيقيّة تأخذ بنا في طريق التّرَقّي... يجب أن نثبتَ في شرقِنا هذا. هنا وُلِد يسوع. هنا نشأ الدّين. من هنا انتشر. وجودُنا المميَّزُ، هنا، يُميِّز هذا الشّرق، أفَنُخليه!؟

       أيّها البابا فرنسيس الأوّل!

       وفيك ما "كان" من زمان، في بطاركتنا ومطارنتِنا ورهباننا وكهنتِنا. ساعدْنا في صلاتنا من أجلهم، ليعودوا كما الأوائل: بذارًا صالحًا، ما ينعكس على الرّعيّةِ صلاحًا أعَمّ.

       لن أُطيلَ، بعدُ؛ إليك، قداستك، هذه الهمسة، لعلّك تجهلُها: لستَ أوّل مَن حمل صليبًا خشبيًّا بين رجال الدّين. بطاركتُنا سبقوك. فقد كانت صُلبانُهم من خشب، أمّا قلوبُهم فكانت من ذهب! ألا ساعدْنا/ساعدْهم ليعودوا كما في هاتيك الأيّام.

       والله يرعاك.

اَلخميس 28 آذار 2013     

 

 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=10162