جماليـــا : ثقافة , آداب , فنون

From site: http://www.jamaliya.com

ألمعلّمون وهموم الحياة في الوطن "السّعيد"!


إيلي مارون خليل
05/03/2013

 

 

       ألمعلِّمون! ألمعلِّمون! "مالئو الدّنيا، وشاغلو النّاس"، هذه الأيّام. ما القضيّة؟ منذ متى؟ ما مظاهرها؟ نتائجها؟ حلولها؟

       ألقضيّةُ قضايا! في الأساس هي قضيّة مساواة، وكلّ مساواة عادلة، والعدل صفة هامّة من صفات الله! ثمّ تشظّت في اتّجاهات شتّى.

       مَن يطالب بالمساواة، يكن شاعرًا بغُبْنٍ، ما، لاحقٍ به، يريد الخروج منه، والخلاص من سيطرته. في كلّ سيطرة بَغْيٌ. ألمعلِّم حرّ لا يحتمل بَغْيًا، ولو مُقَنَّعًا؛ وذو كرامة لا تُطال، وإلاّ فكيف نسلّمه "فِلْذات" القلوب، يربّيها، ينمّيها، يوجّهها، يبنيها! ونحن واثقون، هانئون، مطمئنّون!؟

       فما الغُبْنُ الّذي شعر به المعلِّمون، وما زالوا؟ أيستحقّ هذا النّحو من التّصَرّف السّلبيّ، حتّى الإضراب المفتوح؟ هم "المعلِّمون"! أصحاب الرّسالة الأسمى: نَحْتِ الإنسان فينا: جسدًا وفكْرًا، "قامةً ونِعمةً"، فنخرج إلى الحياة أحياء أحرارًا، نُبلاء كِرامًا... وفي أماكنهم يقيمون، يخرّجوننا، جيلا فجيلا، بمحبّة دافقة، وعزم ثابت، وأمل بالغد الأفضل...لكنّهم، في قواعدهم، ثابتون! ألموظّفُ، من خرّيجيهم، يُصبحُ مديرًا، والمدير رئيسًا، والرّئيس زعيمًا... والمهندسُ يُصبح صاحب مؤسّسة، صغرى، كبرى، لا فارق... وهكذا الطّبيبُ والجنديّ والمحاميّ وكلّ متخرّج آخر، بجِدّه الشّخصيّ، بالوراثة، بـ"الشّطارة"... وهو،المعلّم، في كلّ حال، إشارة طريق، لافتة، تُشير إلى الجميع بالأمكنة المقصودة، يتّبعها الرّاغبون، وتبقى، في مكانها، ثابتة، صامدة، معاندة، صاحبة "رسالة"، وقد يقذفها بعض المهتَدين بها، بالحجارة، أو يُصَوِّبون إليها رصاصهم، جاعلين منها "علامة"، هدفًا لتصويباتهم. فقد و"صلوا"! وقد "يُنعَم" عليهم بـ"دولة" رئيس "عارف" جميلهم، فيقول عنهم: "إنّهم قِطاعٌ غيرُ منتج"! ألحقّ إلى جانبه، "دولتُـ"ـه، و"هو" المَثلُ المُثبِتُ لنظريّته!

       إنّ الغُبْن الّذي ظلم المعلِّمين، وأدمى أفئدتَهم، وأثار مشاعرهم، ليس ظلمًا مادّيًّا أصابهم، بل ظلمٌ معنويّ هو "احتقارُهم"! نعم، يشعر المعلِّمون بالاحتقار! فلجان الأهل ضدّهم، إدارات المدارس ضدّهم، "الأماناتُ العامّةُ" ضدّهم، "ألهيئات الاقتصاديّةُ" ضدّهم، فئات الشّعب، كلّها، ضدّهم، حتّى إنّ بعضَ "زملائهم" ضدّهم! كيف؟ ألجميع "يظنّ" أنّ المعلّمين لا "يشبعون"! فـ"كلّ سنة زودة ع الأقساط ليعطوهم"! والمعلّمون لا يُعطَون شيئًا. ألبعض "يُماطل"، "حين تُقَرّ الزّيادة تنالونها"! ألبعضُ يُؤجِّل (بمعنى: يكذب)، يعد ولا يفي، ويستمرّ يُسَوِّف، إلى متى يظلّ المعلّم يصدّق!؟ فيُقَرّ الإضراب. تبدأ الضّغوط. تتمايز المواقف بين المعلِّمين أنفسهم، ولو في المؤسّسة التّربويّة الواحدة: بعضٌ مع الإضراب، بعض ضدّ. والإدارات أيضًا: إدارةٌ تفهم، أخرى تتفهّم، أخرى تُعاند، تهدِّد... و"تلعب" الدّولةُ على هذي التّناقضاتِ، فيضيع الحقُّ، يُفتَقَدُ.

       منذ متى؟ منذ البدايات، مرورًا بالنّقابة الأولى، بالنّقابتَين، حتّى هذي الأيّام. وأرى أن لن يتبدّل شيء! ألمعلّمون يشعرون بالغُبن، بالعدالة يطالبون، يُسَوَّفون... لكنّهم لا يستطيعون التّسويفَ في شراء حاجيّاتهم الضّروريّة من طبابة ومأكل... فالغلاء، هذا الوحش الّلايتراجع، لا يميّز بين غنيّ وفقير، معلّم ومُدير، طبقة وأخرى...

       ما مظاهرُ هذه الحالة؟

       من مظاهرها، مثلا، الفقر، مادّيًّا ومعنويًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا و... تربويًّا! ألفَقر المادّيّ قد يجعله هُزأة على أفواه غير قلّة من التّلامذة، إن لم نقل النّاس، حتّى بعض أفراد الإدارات! "لا يستبدل بثيابه هذه أخرى جديدة... لا يبتاع سيّارة مريحة... لا يمتلك محفظة ذات اسم مميَّز... لا يشتري نظّارات دارجة"... إلخ.

       ومن مظاهرها الأخرى: معنويّة ونفسيّة واجتماعيّة، ضعف معنويّات، فيأتي إلى مدرسته "محبَطًا" سلفًا؛ هو يسمع ما يتوشوش به التّلامذة. والإرهاق النّفسيّ، شعور بعدم جدواه! والانعزال الاجتماعيّ (هو المنعزل، أصلا)، عن المجتمع، لندرة وقت فراغِه، فلا يزور ولا يزار! والفراغ الثّقافيّ، فلا قدرة على شراء ما يُفتَرَض به أن يقتنيَه، تعزيزًا لثقافته الّتي تنعكس على تلامذته. ومن المظاهر، كذلك، الفَقر التّربويّ، لأنّ ما سبق من مظاهر فَقرٍ، ينعكسُ على أدائه في الصّفوف: تقصيرًا وعدم محبّة، أي انعدامًا عفويًّا للمسؤوليّة: أُدرّس، مُضحّيًا، أبناء مَن لا يحبّونني، لا يحترمونني، وقد يُذِلّونني أحيانًا.

       وما الحلول؟

       في غاية البساطة! ألقليل من الاحترام!

       كيف يكون هذا؟ فليحترمْ، "دولتـُ"ـه وعودَه، وقد "تأمّنت مصادر السّلسلة". مَنْ يَعِدْ يَفِ، يا دولتك! ألوفاء بالوعد، دليلُ نُبلٍ وأصالة. ألصّدق من شِيَم الرّجال العادييّن، فكم بالحريّ رجال الدّولة! ألتّأجيل، التّسويف، المُماطَلة، خبثٌ مقنَّع، ضعف فاقع، تَحايُلٌ منحَطّ.

       والإدارات؟ فلتفهَم: اَلإضراب ليس ضدّها! ما مشكلةُ المعلّم مع إدارته!؟ إلاّ إذا كانت تتحايل على القوانين، فلا تحتسب "معاشه ــ مماتَه" بشكلٍ صحيح، أو تعيضاته. هو يُدرِك ذلك، لكنّه يقول، مستسلِمًا:" ماذا تستطيع؟ حاكمك وربّك!" ماذا أفعل؟

       والأهل ولجانُهم، ويُعرَف كيف يؤتى، عند البعض الكثير من المؤسَّسات، بها! فليفهموا، هم أيضًا، أنّنا أحرصُ منهم على أبنائهم. ألا يثقون بنا، بحسب خبراتهم معنا كلّ حين؟ لا يُعقَل أن لا نُنهي البرامج. لا يُعقَل أن يتقدّموا إلى الامتحانات الرّسميّة، من دون "العدّة" الّلازمة. دفعتم زيادات؟ لم نحصُل على شيء. منذ ستّ عشرة سنة، لم ينل معلّمٌ داخلٌ مَلاك مدرسة، زيادة، عدا الدّرجة الإلزاميّة، وأنا أخجل من أن أصرّح بها! ومن ذلك الوقت، أيّها الأهل، كم درجة مئويّة بلغ الغلاء؟ أعليكم، وحدكم، ارتفعت الأسعار، أم على الجميع، بمَن فيهم "الأساتذة"؟

       و"الأمانات العامّة"، لمَ لاتريد أن تفهم أنّ المعلّمين ضائعو الحقوق، في القانون، عند "الدّولة"، لا عند المؤسّسات التّربويّة، وأن لا يمكن أن ينشبَ خلافٌ جوهريّ مع إدارة "فاهمة متفهِّمة"، والأمثلة ليست نادرة، وإن قليلة! تُصرّح "الأمانات" بأنّ المؤسَّسات التّابعة لها غير مُضرِبة. هذا صحيح، لكنّه غيرُ دقيق. صحيح، أوَتُضرِبُ المؤسَّسة ضدّ نفسِها!؟ لماذا تجعلون من المعلِّمينَ أعداء إداراتهم!؟ ليس الأمر كذلك.

       أمّا العامّة من النّاس، وسائر طبقات المجتمع، فعلى رأيين متناقضَين: أوّل، أكثريّ، ضدّ المعلِّمين، يعتبر أنّهم "العمى ما بقوا يشبعوا"؛ وثانٍ، أقَلّويّ، معهم لأنّه يتفهّم المشكلة، لأنّه قريبٌ، أو نسيبٌ، أو هو فاهمٌ أصلا!         

       وعليه، كم يسهل الحلّ! كلمة واحدة. ألاحترام! ليحترم "دولتُـ"ـه وعودَه، لتحترم إدارات المؤسَّسات التّربويّة حرّيّة مُرَبّيها، ليحترم الأهل ولجانُهم رغبةَ مربّي فلذات قلوبهم، لتحترم "الأمانات العامّة" حرّيّة العمل النّقابيّ، ليحترم الجميع دورَ المعلّم وقيمتَه في ترقّي الشّعوب والأوطان والإنسانيّة!

       أَوَلَمْ يكن الأنبياءُ مُعلّمي شعوبهم!؟ فليُحترَموا ليُبدِعَوا!...

       أوَتعتقدون أنّه يُمكِنُكم إبقاء "الأنبياءِ" غير مُكرَّمين في بلدانهم؟ حتّامَ!؟ شديدٌ غضبُ الأنبياءِ، اِحذروا هذا الغضب!

اَلاثنين 25/2/2013 




Link: http://www.jamaliya.com/ShowPage.php?id=10039